لا يفكر معظمنا في الكهرباء إلا حين يحدث خطأ ما، مثل أن تؤدي عاصفة إلى انقطاع الكهرباء أو فاتورة شهرية مرتفعة بشكل غير متوقع. وثم تنتهي المشكلة وتعود الكهرباء وننتقل لأشياء أخرى. لكن حقبة نعمة عدم الإكتراث هذه ربما تسير نحو النهاية. وقرار شركة فورد موتور بالمراهنة بكل ما لديها على السيارات الكهربائية توضح المراهنة الأكبر التي يقوم بها العالم على المستقبل الأخضر الذي تشغل فيه الكهرباء كل شيء.
وفي جانب العرض، أصبحت الاستخدامات التي لم تكن متخيلة قبل عقود تمتص حالياً طاقة كافية لتلبية احتياجات بلاد متوسطة الحجم. فقد توصل مشروع بحثي في جامعة كامبريدج إلى أن تعدين العملات الرقمية- وهو يضع أجهزة الحاسب الفائقة في سباق مضن لحل معادلات رياضية شديدة التعقيد- يستهلك كهرباء أكثر مما تستهلكه الدنمارك بأسرها. وتجمعات الخوادم لتخزين بياناتنا التي تتراكم سريعاً تتطلب قدراً أكبر من الكهرباء. وفي الوقت نفسه يطمح ملايين البشر في الدول النامية إلى التمتع بحياة تغذيها الكهرباء. ووكالة الطاقة الدولية ذكرت أن الطلب الإجمالي المتصاعد على الكهرباء يتفوق على جهود العالم لتحسين الكفاءة وتعزيز الموارد المتجددة. ونتيجة لهذا، من المتوقع أن تبلغ انبعاثات الكربون من توليد الكهرباء رقماً قياسياً عالياً العام المقبل بعد ثباتها ثم انخفاضها قليلاً في السنوات القليلة الماضية.
وإلحاح تغير المناخ والتنمية يتطلب، بلا مفر، إمدادات أكبر من الكهرباء. ومن الواضح بشكل متزايد أن محطات الطاقة النووية يتعين أن تلعب دوراً محورياً. والطاقة النووية، من عدة وجوه، أكثر المصادر الواعدة لتوليد الكهرباء من دون انبعاثات كربون. وعلى خلاف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه، يمكننا التنبؤ بالكهرباء الناتجة عن محطات نووية، لأن المولدات تعمل حين لا تتوافر شمس أو رياح أو مستوى معين من المياه.
والمشكلة تتمثل في سوء فهم المخاطر. فالبشر معرضون دوماً للإشعاع من الشمس ومن الكون ومن الأرض نفسها التي نسير عليها.
والأكثر إثارة للقلق هي المخاطر الصحية على المنقبين عن اليورانيوم من التعرض لفترة ممتدة للاشعاع الطبيعي. وسلامتهم يجب حمايتها مع التقدم في الصناعة. لكن الخوف العام الذي وصم الطاقة النووية على مدار الجيل الماضي غير معقول. ويعتبر بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت من القيادات المتزايدة عدداً من المستثمرين الذين يعتقدون أن إنتاج مفاعلات أرخص وأصغر قد يلعب دوراً مهماً في مزيج الطاقة بعد عصر الوقود الأحفوري. وصرح جيتس في الآونة الأخيرة قائلاً: «نحتاج إلى المزيد من الطاقة النووية للوصول بالانبعاثات إلى صفر في أميركا ولمنع كارثة مناخية». وأعلنت شركته التي تعرف باسم «تيراباور» خططاً عن بناء مفاعل نووي للجيل التالي في موقع محطة لتوليد الطاقة من حرق الفحم في ولاية وايومنج. والهدف هو إثبات إمكانية إضافة الطاقة النووية إلى شبكة الطاقة بسعر تنافسي وإطار زمني معقول.
إنني من المؤيدين المتفائلين لطاقة الرياح وطاقة الشمس وطاقة حرارة الأرض ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى. لكنني أيضاً واقعي في فهم العراقيل الكثيرة أمام نمو هذه الموارد. واتفق مع جيتس على أن أضمن الطرق لصفر انبعاثات كربون هو تعظيم كل مصدر للطاقة غير كربوني بما في ذلك الطاقة النووية. ولا يجب علينا التفكير في أنموذج المحطات العملاقة مثل تشيرنوبل وثري مايل، بل علينا تصور مفاعلات صغيرة كتلك التي زودت الغواصات الأميركية وحاملات الطائرات بالطاقة لتقطع أكثر من 134 مليون ميل في أكثر من 50 عاماً بدون حوادث. ولا شيء يكشف بوضوح القدرة الكامنة على توليد طاقة نووية آمنة ويُعتمد عليها أكبر من هذه الغواصات وحاملات الطائرات الـ 83 باعتبارها أنموذجاً لمشروع عائم يعيش فيه بحارون أصحاء عن قرب من محطات انشطار نووي لا تتوقف عن العمل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»