في وقت سابق من هذا العام، اختار جو بايدن إضفاء رمزية عميقة على الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر 2001. إذ اختار تاريخ 11 سبتمبر ليكون الموعد النهائي لمخططه الخاص بسحب كل القوات الأميركية من أفغانستان أخيرا. وخلال الأشهر التي تلت ذلك، مهّدت مغادرةُ الجنود الأميركيين للانهيار المذهل في أغسطس للحكومة الأفغانية وجيشها المدرب والمسلح من قبل الولايات المتحدة، والذي باغت البيتَ الأبيض نوعا ما. إذ اضطر بايدن للإشراف على عملية إخلاء نهائية يائسة عمّتها الفوضى في وقت بسطت فيه حركة «طالبان»، التي طُردت من السلطة قبل عقدين من الزمن، سيطرتها على كابول من جديد.
ويوم 11 سبتمبر، شارك بايدن في مراسم إحياء ذكرى الهجمات في المواقع الثلاثة المختلفة في مدينة نيويورك وشمال فرجينيا وريف بنسلفانيا حيث تحطمت الطائرات التي اختطفها إرهابيو تنظيم «القاعدة» قبل عشرين عاما. ولم يُلق بايدن أي كلمة رسمية بهذه المناسبة، مكتفياً بمخالطة أقرباء أولئك الذين قضوا في الهجمات، ومصدراً رسالة عبر مقطع فيديو في اليوم السابق كرر فيها دور «كبير المعزيِّن» الذي تعود عليه، مثلما قالت زميلتي في صحيفة واشنطن بوست «سونغ مين كيم».
طالبان عبّرت عن موقف أكثر دلالة وتعبيراً يوم السبت. ففي مراسم صباحية، رفعت الحركة علمها الأبيض الذي تتوسطه الشهادة فوق القصر الرئاسي في كابول. وكتبت «واشنطن بوست» تقول: «إن طالبان لم تُصدر بياناً رسميا حول ذكرى هجمات«القاعدة» الإرهابية التي عبّدت الطريق لطردها من السلطة قبل 20 عاما»، مضيفة «ولكن صورة العلم كانت بمثابة تذكير آخر بعودة مذهلة للحركة بعد عقدين من محاربة القوات التي تقودها الولايات المتحدة».
وبشكل منفصل، أفرج تنظيم «القاعدة» عن مقطع فيديو يوم 11 سبتمبر يتضمن رسالة مصورة من زعيم التنظيم أيمن الظواهري. وهناك شائعات تفيد بأن النائب السابق لأسامة بن لادن قد مات – وقد يكون مات بالفعل، ولكن في رسالته المصورة بدا أنه يشير إلى أحداث جرت في سوريا في وقت مبكر من هذه السنة. وكان التنظيم المتطرف تسبب في الغزو الأميركي في 2001 وطُرد من ملاذه ومعسكراته هناك، ولكنه ظل يشكّل تهديدا من آسيا الوسطى إلى شمال أفريقيا.
في كابول، بدا أن «طالبان» أعادت العمل بنسخة محدثة من الحكم الأصولي المتشدد الذي طبع فترة حكمها السابقة. إذ أصدرت الحركة تعليمات للنساء الموظفات في معظم الوزارات بعدم العودة إلى العمل، وفرضت «الزي الإسلامي» والفصل بين الذكور والإناث في الجامعات.
بدّد بايدن المخاوف بشأن طريقة تعاطيه مع الانسحاب من أفغانستان. فرد على أسئلة الصحافيين، وأشار إلى استطلاع حديث للرأي لصحيفة «واشنطن بوست» أظهر أن أغلبية ساحقة من الأميركيين ما زالت تؤيد سحب الجنود من البلاد، وإن كان الكثيرون منهم غير راضين عن الطريقة التي تم بها الانسحاب. وتساءل بشكل استنكاري ما إن كان من المنطقي أن تقوم الولايات المتحدة بغزو كل بلد يوجد فيه حضور لتنظيمات متطرفة مثل «القاعدة».
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن نددت بغياب «الاستيعاب» ضمن حكومة طالبان الصاعدة، إلا أنها تتقدم إلى الأمام بشكل حذر. فالأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: «لدينا طرق وسنجد طرقا للتعامل مع طالبان، الحكومة المؤقتة، حكومة مقبلة» من أجل ما وصفها بـ «أهداف الدفع بالمصلحة الوطنية، مصلحتنا الوطنية ومصلحة شركائنا».
وتعترض طالبان على إبقاء الولايات المتحدة والأمم المتحدة على شخصيات مثل حقاني على «القوائم السوداء» المشمولة بعقوبات، وهو ما تعتقد الحركة المقاتلة أنه يمثّل انتهاكا لروح الاتفاقات التي عقدت مع إدارة ترامب في الدوحة بقطر.
وقالت طالبان في بيان: «إن الإمارة الإسلامية تندد بأشد العبارات بإصدار أميركا وبلدان أخرى لمثل هذه التصريحات المستفزة ومحاولتها التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان»، مضيفة «إن مثل هذه التصريحات لمسؤولين أميركيين تمثّل تكرارا لتجارب فاشلة سابقة، ومثل هذه المواقف مضرة بأميركا».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»