علاقة الإمارات بفرنسا ليست وليدة اللحظة، بل هي قائمة منذ عقود وتكاد تتجاوز الخمسين عاماً. ولم تمر هذه العلاقة يوماً في خطوط متقاطعة ولا متقطعة، بل طبعها التواصل المستمر وفق مصلحة البلدين وعلى أسس راسخة ومتينة ظهرت آثارُها الإيجابية على مر السنين.
ماذا يميز فرنسا عن غيرها في خصوصيتها؟ لقد سمعت الإجابة عن هذا السؤال على لسان الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي، وهو يشرح وجهة نظر باريس حول ما كان يجري في سوريا وقتها من تدمير لأغلى ثروة إنسانية على وجه الأرض، ألا وهي «ثروة التنوع». الإمارات تشترك مع فرنسا في هذه الرؤية الإنسانية للحضارة البشرية من أي إناء خرجت. في الإمارات تنوع بشري لا مثيل له، والجالية الفرنسية التي تقارب ثلاثين ألف نسمة جزء لصيق من هذه السيمفونية التي تصل ترانيمها إلى أكثر من 200 جنسية، استطاعت الإمارات أن تجعل منهم جميعاً أزهاراً فواحة في حديقة مميزة في عمق استراتيجيتها الممتدة منذ خمسين عاماً نحو قابل الزمن.
وبالأمس القريب كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في باريس حاملاً معه إرث الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمخزون الاستراتيجي لهذا الإرث لدى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، من العلاقات العريقة مع فرنسا، ليواصل سموه ذلك الطريق.
ومن جميل المصادفة، وقبل وصول سموه إلى فرنسا، أعلن معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» عن منح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد جائزة «رجل الدولة والباحث السياسي» المرموقة، لجهوده في تحقيق اتفاقية السلام بين دولة الإمارات وإسرائيل، إضافةً إلى دوره في تعزيز قيم التسامح الديني. هذا وقد غرّد سموه عقب مباحثاته مع الرئيس ماكرون وقال على حسابه في «تويتر»: «سعدت بلقاء الرئيس الفرنسي ماكرون في باريس، بحثنا تعزيز علاقاتنا الاستراتيجية، إضافة إلى القضايا والمستجدات في المنطقة وأهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها لدفع التنمية والازدهار إلى الأمام».
وقد استثمرت الإمارات التنوع الحضاري من خلال معْلمين فرنسيين كبيرين يُنقلان لأول مرة في التاريخ إلى خارج فرنسا، أولهما هو «جامعة السوربون» العريقة حيث تم افتتاح فرعها «سوربون أبوظبي» الذي صار رافداً مميزاً لأبناء الوطن للاغتراف من ذات المنبع الرقراق. أما المعلم الثاني فهو متحف اللوفر الذي استحدث أول فرع لها في الخارج هو «اللوفر أبوظبي» الذي قال عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يوم افتتاحه في عام 2017: «إن افتتاح اللوفر يوجه رسالة إيجابية من دولة الإمارات إلى العالم كله، بأننا قادرون على صنع الأمل لشعوب هذه المنطقة، بالرغم مما تعانيه من حروب ونزاعات».
أما وزن العلاقات بين البلدين فقد وصفه وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس بأنه «جسر النجاح الاستراتيجي لفرنسا في منطقة الخليج».
وقد غرد ماكرون بعد الاجتماع قائلاً على حسابه في «تويتر»: «من خلال مساعدة بعضنا البعض على إجلاء الأشخاص المعرّضين للخطر من كابول، واتخاذ إجراءات لتعزيز الحوار والاستثمار في الثقافة، دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا تعملان معاً لجعل الشرق الأوسط منطقة سلام وتعاون».
وكان مسك الختام للقاء جولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في مرافق قصر «فونتينبلو»، وهو أحد أهم القصور الملكية الفرنسية.
كما اطلع سموه على «المسرح الإمبراطوري» الذي يعد تحفة معمارية، وكان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، قد تكفل بترميمه فأعيدت تسميته باسمه عرفاناً لما قدّمه لهذا الصرح التاريخي العملاق، والذي هو امتداد لثراء معالم التراث الإنساني.
كاتب إماراتي