تتذكر «ريبيكا بيرسون» جيداً ذلك اليوم في أكتوبر 2018، عندما التقت هي وسكان آخرون من مدينة مالمو السويدية لأول مرة بعشرة شبان - من عصابات الشوارع المتنافسة - وجميعهم في حالة إطلاق سراح مشروط - في ملعب كرة قدم بالمدينة. جلست الاختصاصية الاجتماعية على خشبة المسرح بجوار الآخرين بينما دخل أفراد العصابة إلى القاعة الكبيرة. وقف حشد من 40 شخصاً لتحيتهم: جيران ومدربون وأصحاب محال تجارية وقادة المساجد المحلية، وأقارب الشباب. لم تكن «بيرسون» ولا الرجال يعرفون بالضبط ما يمكن توقعه من الاجتماع.
لكن «مالمو» تواجه أزمة. فالمدينة شهدت 65 حادثة إطلاق نار غير مسبوقة، و62 استخداماً للقنابل اليدوية أو المتفجرات الصغيرة في عام 2017 وحده. وهي أرقام كبيرة بالنسبة لبلد تخضع فيه حيازة الأسلحة لقواعد تنظيمية شديدة. لذا كان على المدينة أن تجرب شيئاً.لقد اجتمع الحاضرون لتأييد رسالة واحدة للشباب: نحن نهتم بكم، ولا نريدكم أن تموتوا أو تؤذوا أحداً. سنوقفكم إذا لزم الأمر وسنساعدكم إذا سمحتم لنا بذلك. كان هذا أول «استدعاء» للمدينة، وهو جزء من نهج مناهضة عنف السلاح الذي بدأت «مالمو» تنفيذه في 2018 تحت عنوان «أوقفوا إطلاق النار». تم تصميم الاستراتيجية على غرار نهج التدخل لوقف العنف الجماعي الذي ظهر في بوسطن في التسعينيات، وشهد نجاحاً في مدن مثل أوكلاند وشيكاغو وديترويت. يتألف النهج من الاستدعاءات والتواصل المباشر مع مجموعات الشوارع في «مالمو» بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع شركاء المجتمع.
منذ بدء المشروع، تراجعت أعمال العنف الشديدة باستمرار في «مالمو». في 2020، وقع 20 حادث إطلاق نار و17 تفجيراً فقط. من بين حوالي 300 تم التوصل إليهم ضمن استراتيجية «أوقفوا إطلاق النار»، يوجد الآن 40 في السجن، لكن انضم 49 آخرون إلى برنامج المدينة لمساعدة الأفراد على ترك العصابات والبدء من جديد. يقول الخبراء، إنه من السابق لأوانه عزو التراجع في العنف إلى برنامج «أوقفوا إطلاق النار». لكن أولئك الذين شاركوا يقولون إن قيمته تكمن في طريقة حشد أنماط مختلفة من الأشخاص - العاملين في إنفاذ القانون والخدمات الاجتماعية وأعضاء المجتمع - للالتفاف حول رسالة أخلاقية موحدة ضد العنف. تقول «بيرسون»، مديرة البرنامج: «إذا أطلقت النار أو استخدمت المتفجرات فسنعرف المجموعة التي قامت بذلك، وسنلاحقها». لكن هذا التحذير مصحوب بوعد: «إذا كنت تريد المساعدة لتترك طريقة الحياة هذه، أو تساعد في أي شيء آخر، فسنساعدك».
في الاجتماعات الثلاثة التي نظمتها مدينة «مالمو» حتى الآن، ألقى كل من عمدة المدينة وقائد الشرطة والمدعي العام وبيرسون وزميلتها في الخدمة الاجتماعية وأم وإمام مسجد وشماس كلمة قصيرة. بعض اللحظات قاسية، والبعض الآخر لطيف. اعتذر قائد الشرطة عن عدم الحفاظ على سلامة الرجال، وتحدثت أم عن ألم الأمهات اللائي قتل أبناؤهن بالرصاص. كانت الذكرى المفضلة للسيدة بيرسون، هي الوقت الذي تحدث فيه إمام المسجد، وأكد للرجال - والعديد منهم من الأقلية العربية في مالمو - أنه لا يزال بإمكانهم اختيار طريق السلام. وقام أحد الرجال الذين دخلوا وهم يحملون موقفاً عدائياً بخلع قبعته احتراماً له. يقول ديفيد كينيدي، أستاذ العدالة الجنائية الذي ساعد في تصميم استراتيجية أوقفوا إطلاق النار في بوسطن: «نحن جميعاً نهتم بما تفكر فيه الأمهات أكثر مما تفكر فيه الشرطة». وقال إنه في حين أن التهديد بالعقاب وعروض الدعم ضروريان، «ما هو مهم حقاً هو هذه العلاقة المستمرة بين الفريق والشوارع». يوافق مجرم شوارع سابق من«مالمو» على أنه عندما يفهم الجناة كيف يؤثر سلوكهم على عائلاتهم ومجتمعاتهم، فإن ذلك يحدث أكبر فرق. لقد تعلم هذا بطريقة صعبة في اللية التي تم فيها إطلاق النار على صديق له.
يقول الرجل الذي تخلى عن الجريمة منذ ذلك الحين: «كانت تلك هي اللحظة التي أفقت فيها، عندما رأيت والدته وإخوته يأتون إلى المستشفى. لم أكن أتخيل أنه يمكنني وضع أمي في هذا الموقف». ويضيف أنه يعرف بعض الشبان الذين شاركوا في برنامج «أوقفوا إطلاق النار»، ويؤكد أن ردود الفعل كانت متباينة. البعض لا يبالي بالمحاضرات، ولكن بالنسبة للآخرين الذين يعرفون أنهم بحاجة إلى إجراء تغيير، فإن الاستراتيجية «جيدة جداً، لأنهم يحصلون على كل المساعدة التي يحتاجون إليها».
إن التزام برنامج «أوقفوا إطلاق النار» بالتواصل الواضح والمحترم مع الأفراد الذين كثيراً ما كانوا يشعرون بأنهم منعزلون عن المجتمع يعد خطوة في الاتجاه الصحيح. يقول ستيفان وريدنمارك، ضابط شرطة يجري لقاءات وجها لوجه مع أفراد العصابات في منازلهم أو المستشفى أو السجن لإيصال رسالة «أوقفوا إطلاق النار»، إن احدى الرسائل هي أننا لا نريدك أن تموت.
*صحفية متخصصة في شؤون أميركا اللاتينية ودراسات التنمية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»