لا توجد ديمقراطية في الدول الصناعية المتقدمة أكثر انقساماً سياسياً واضطراباً أكثر مما نراه في الولايات المتحدة اليوم. كيف وصلت أقوى دولة في العالم إلى هذا الحال؟ يعتقد بعض الخبراء والمحللين السياسيين أن هذا يرجع إلى تغيير ما حدث في مفهوم الليبرالية الغربية أو الديمقراطية الليبرالية، مما أدى إلى تصدع المشهد العام الجماعي الذي أدى إلى تأجيج الانقسام أكثر.
لقد تغير مفهوم الليبرالية الغربية الآن عما كان سابقاً يعرف بـ «الليبرالية الكلاسيكية» التي تؤمن بأن التقدم البشري يأتي من خلال تقبل الرأي الآخر والنقاش للتوصل للحلول الوسط.
وعلى مدى الـ 250 عاماً الماضية، ساعدت الليبرالية الكلاسيكية في تحقيق تقدم لا مثيل له، لكن التحدي الرئيسي الذي يحدث للليبرالية الكلاسيكية الآن هو أنها أصبحت تضم ما يسمى بـ «اليسار غير الليبرالي» وجانب الخطر في ذلك هو أن هذا النمط الجديد انتشر سياسياً والذي كان مصدره الأساسي من أقسام الجامعات النخبوية.
خريجو تلك الجامعات عندما يباشرون سوق العمل، وخاصة في مجال الإعلام والسياسة، ينقلون ما تم غرسه في مقرراتهم الجامعية من أجندة مهووسة برؤية ضيقة لتحقيق العدالة لجماعات الهوية المضطهدة. وهم أيضاً يستخدمون تكتيكات لفرض أيديولوجيات معينة يدعون أنها نقية وهي عبارة عن مسامحة أو عدم الهجوم على أعداء أميركا والابتعاد عن حلفائها التقليديين بسبب تعاونهم مع أميركا المهيمنة وغير العادلة. لذلك، هم مؤمنون بضرورة تغيير كل ما قامت عليه أميركا التقليدية من مبادئ ومُثُل.
انتشرت «الليبرالية اليسارية» أو ما يسمى بـ «التقدم اليساري» بشكل كبير في الولايات المتحدة بعد الثماني سنوات من رئاسة أوباما والتي كان لها تأثير ليس فقط على السياسة، ولكن أيضاً على النظام التعليمي والإعلام. وقد انعكس مفهوم الليبرالية اليسارية على سياسة أوباما الخارجية وكيف تخلت عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة واقتربت من أعدائها، وهو الأمر الذي كان مدفوعاً أيديولوجياً على افتراض أن هؤلاء الأعداء قد أسيء معاملتهم من قبل أميركا المهيمنة. هذا التغيير الهائل كان له التأثير على المستوى المحلي، وقد أنتج قوة معاكسة أدت إلى انتخاب دونالد ترامب وظهور اليمين الترامبي، الذي يريد الحفاظ على أميركا التقليدية على الصعيدين المحلي والسياسة الخارجية.
وقد أدت الكراهية التي يشعر بها كل معسكر تجاه الآخر إلى تأجيج الانقسام أكثر في الولايات المتحدة. إن حل معضلة الانقسام في الولايات المتحدة ليست من شأن أهل المنطقة، ولكن ما يهم حقاً هو ألا يكون هناك أي اعتماد على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكذلك يجب رفض ما تراه المنطقة من سياسات مضطربة، لأنها في الواقع سياسة تصفية حسابات داخلية وأيديولوجيات ومفاهيم متضاربة، وليس استناداً على دراسات علمية وموضوعية، والمشهد واضح كما نراه في أفغانستان إيران وغيرهما.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي