بتشغيل المحطة الثانية ضمن محطات «براكة» للطاقة النووية، تتقدم دولة الإمارات خطوات على الطريق، الذي بدأته بعزم في ديسمبر 2009، بإنشاء هيئة الإمارات للطاقة النووية. وهو القرار الذي كان يعكس طموحاً، لا حدَّ له، إلى ارتياد مجال جديد يحتاج إلى قدرات وإمكانات بالغة التعقيد والدقة، والاستعداد لمواجهة تحديات هائلة في مجالات معرفية وعلمية وإدارية واقتصادية، وعمل كثيف ومرهق من جانب فرق عمل تختصر الزمن، وتعمل على العديد من المسارات في وقت واحد.
في تشغيل المحطة الثانية في أغسطس 2021، كما في تشغيل المحطة الأولى في أغسطس 2020، لا بد من استعادة القرار الشجاع للقيادة الرشيدة، التي آمنت بقدرة الإمارات وأبنائها على إلغاء المستحيل من قاموس الأمل والثقة الذي صاغته الإنجازات والنجاحات، ووسّعته القدرة على تحويل الأحلام إلى واقع مشرق ينظر إليه العالم بإجلال وتقدير، وينعم بخيراته أبناء الإمارات وعشرات الملايين من مختلف أنحاء العالم الذين وجدوا في دولة الإمارات موطناً للعيش الكريم والعمل الشريف.
افتتاح محطة «براكة» الثانية يؤكد اليوم رؤية القيادة التي أتاحت لها البصيرة الصادقة أن تدرك مبكراً ضرورة دخول عالم الطاقة النظيفة، وخلق سلاسل من المؤسسات التي ترسخ اقتصاد المعرفة، وتستخدم العقل البشري في توليد الثروة وتنميتها، وتعمّق من دور التعليم والبحث العلمي والتأهيل الرفيع للكوادر البشرية الإماراتية التي أثبتت أنها على قدر التحدي، حين يتعلق الأمر بالمشروعات الوطنية التي تستنفر فيها مكامن الإرادة والإبداع والإنجاز والتفاني في العمل لتحقيق الأهداف.
ومع افتتاح محطة «براكة» الثانية، يمكن الحديث أيضاً عن رصيد الثقة الذي تتمتع به دولة الإمارات لدى العالم بأسره، دولاً وشعوباً ومنظماتٍ، واليقين الذي لم يَشُبْهُ أدنى شك في نياتها السلمية، وفي الاطمئنان الخالص، إقليميّاً وعالميّاً، إلى اتخاذها أقصى درجات الأمان والحماية في برنامجها النووي، إيماناً من العالم بأن السلم والأمن ومراعاة أعلى المعايير العالمية هي السمات التي لا تقبل دولة الإمارات أي تنازل عن تحقيقها في صورتها المُثلى.
افتتاح المحطة الثانية في «براكة» فصل جديد من الملحمة التي يمكن لإعادة دراستها أن ترسم خريطة طريق للنجاح، بدءاً من الهياكل الإدارية والقدرة على إقامة المؤسسات الوطنية والشركات الفرعية التي تؤدي مهامها بالكفاءة اللازمة، والبنية التشريعية المكتملة، وإدارة التفاوض مع الشركات العالمية، ومخاطبة المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، والتأهيل السريع لجيل من المواطنين يمثلون الثروة التي لا تنضب، والعماد الراسخ للمشروع، وكلمة السر وراء نجاحات لا تنتهي على هذه الأرض الطيبة.
* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.