كارثية هي أول أزمة يواجهها جو بايدن في السياسة الخارجية، إذ تمكنت حركة «طالبان» من السيطرة على أفغانستان في ظرف أيام فقط، وليس أسابيع أو أشهراً. وهو سيناريو لم يكن متوقعاً بتاتاً، والتخطيط لهذه الأزمة والاستعداد لها لم يكونا موجودين. وإذا كان الرؤساء الأميركيون الأربعة الأخيرون قد ترأسوا التدخل العسكري الأميركي الذي دام عشرين عاماً في أفغانستان، فإن هذه الحرب المفتقرة للشعبية بلغت نهايتها في عهد بايدن.
معظم الأميركيين كانوا يريدون من بايدن سحب القوات العسكرية الأميركية، لكن لا أحد منهم كان مستعداً للسرعة التي تطورت بها الأزمة. وتتمثل مهمة بايدن الآن في منع الكارثة من التفاقم والاستفحال وتحولها من سيئ إلى أسوء. وفي كلمة ألقاها بهذه المناسبة من البيت الأبيض، يوم الاثنين 16 أغسطس، كان بايدن صريحاً بشأن ما حدث وبشأن ما ينوي فعله من أجل إنقاذ مهمة الانسحاب والإجلاء. كما أكد أن قرار الانسحاب هو القرار الصائب وأنه لن يُثقل كاهل رئيس أميركي خامس بعبء استمرار حرب غير قابلة للفوز. وألقى بايدن بالكثير من اللوم على حكومة أشرف غني الأفغانية وقوات الأمن الأفغانية المسلحة بشكل جيد، محمِّلاً إياهما مسؤولية الفشل في الوقوف في وجه «طالبان» ومجابهتها. وإذ أقر بأن سقوط كابول باغت الإدارة الأميركية، فإنه اعترف على مضض بأن الولايات المتحدة أساءت تقدير السرعة التي سقطت بها الحكومة الأفغانية. وكانت كلماته صريحة ومباشرة، إذ قال: «لا يمكن للجنود الأميركيين ولا ينبغي لهم أن يخوضوا حرباً ويموتوا في حرب لا تريد القوات الأفغانية خوضها». وأضاف بايدن قائلاً: «أدركُ أن قراري سينتَقد، لكنني أفضِّل أن أتعرض لكل تلك الانتقادات على أن أترك القرار لرئيس آخر للولايات المتحدة».
الرد الفوري على الخطاب كان متوقعاً. فبالنسبة لأغلبية الأميركيين كان ذلك هو ما يرغبون في سماعه: إنه بعد 20 عاماً قررت الولايات المتحدة الآن إنهاء وجودها العسكري في أفغانستان. لكن بالنسبة للكثيرين ممن لديهم علاقات وثيقة مع أفغانستان، مثل العسكريين السابقين والصحافيين، شكّل خطاب بايدن تملصاً من المسؤولية. ذلك أن الانسحاب الأميركي طبعه الكثير من الفوضى وبدا أن سلامة الأميركيين أهم من سلامة عشرات الآلاف من الأفغان الذي عملوا مع الولايات المتحدة خلال الحرب ويرغبون الآن في المغادرة.
وعلى المدى القصير، سيكون الموضوع الأساسي بالنسبة لبايدن هو إجلاء كل من الأميركيين والأفغان الأصدقاء الذين عملوا مع القوات الأميركية، وما إن كان ذلك سيتحقق من دون عنف. فإذا استطاع بايدن أن يُظهر أنه بذل أقصى ما في وسعه من أجل تحسين الجوانب اللوجستية المتعلقة بالانسحاب والمعالجة الآمنة لموضوع الأفغان الذين يبحثون عن ملاذ خارج بلدهم، فإنه قد يستطيع تجنب أخطر ضرر يمكن أن يلحق برئاسته، والذي قد يكون مزيداً من العنف والإخفاق في إنقاذ الأشخاص الذين وقفوا إلى جانب الولايات المتحدة خلال الحرب. ولا شك في أن عملية إجلاء تتم بسلام وسط بعض الفوضى النسبية، ستكون نتيجة مقبولة عموماً. وبالمقابل، فإن أي مواجهات عسكرية خطيرة مع «طالبان» قد تؤدي إلى خسارة مزيد من الأرواح الأميركية والأفغانية، وستكون نتيجة ذلك فظيعة، وسيتم تحميل مسؤولية ذلك لبايدن وإلى الأبد.
وعيله، يجدر ببايدن أن يأمل أن تدرك حكومة «طالبان» الجديدة أنه من مصلحتها تسهيل عملية نزوح سلمية. وهذا سيعني أن قواتها العسكرية تتحلى بضبط النفس وتقاوم الرغبة في معاقبة أعدائها وإذلالهم أكثر. غير أن هذا الأمل يَفترض أن قيادة «طالبان» تدرك أنها باتت مسؤولة الآن عن حكم بلد كبير وفقير وهش ويناهز عدد سكانه 40 مليون نسمة. وسيتعين عليها أن تتعلم التعاون مع جيرانها الأقوياء. فباكستان والهند وروسيا وإيران.. لديهم مصالحهم الخاصة التي يسعون لرعايتها، ومن غير المحتمل أن يرحبوا بالفوضى وأزمات اللاجئين على أبوابهم.
مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست»