بعد مرور عشر سنوات على اندلاع أولى الاضطرابات السياسية فيما سمي آنذاك «الربيع العربي» أو «ثورة الياسمين» ضد نظام حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، تصاعدت من جديد حدة التوترات السياسية والاضطرابات في تونس وانفجرت أزمة سياسية حادة بين المكونات السياسية التونسية، ترافقت مع اندلاع احتجاجات تطالب بإحداث تغييرات جوهرية، وكل ذلك نتيجةً للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي ولانعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين وانعكاسه على فشل الحوار الوطني. وفي خضم التجاذب السياسي الحاد القائم في البلاد، اتخذ الرئيس قيس سعيد، إجراءات استثنائية استناداً إلى المادة المادة 80 من الدستور، والتي تعطي الرئيس الحق باتخاذ إجراءات استثنائية أثناء تعرض البلاد لخطر داهم، فأقال رئيس الوزراء هشام المشيشي، وأنهى خدمات بعض الوزراء، وجمّد عمل البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن أعضاء السلطة التشريعية، بالإضافة إلى إقالة عدد من المسؤولين في الحكومة، وتولي السلطة التنفيذية بنفسه.
وبعد إقرار الدستور التونسي الحالي في عام 2014، عاشت البلاد تحت نظام هجين بين البرلماني والرئاسي، واستمر تطبيقه طوال السنوات الماضية، لكن استمرت أيضاً الخلافات في الحياة السياسية التونسية وانعكست على الاستقرار السياسي، إذ غالباً لا تدوم الحكومة التونسية إلا أشهراً محدودة. ومنذ أن تولى قيس سعيّد رئاسة البلاد عام 2019، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، طرح فكرة تعديل النظام السياسي إلى نظام رئاسي، وهي فكرة تستوجب وجود المحكمة الدستورية التي لم يتم إقرارها منذ سبعة أعوام بسبب التجاذبات بين الأحزاب. وطوال السنوات الماضية تزايدت مظاهر القطيعة السياسية بين الأجنحة الثلاث للحكم، أي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، وتطورت الخلافات إلى تنازع في السلطات وفي تأويل الصلاحيات الدستورية، في الوقت الذي كان البرلمان التونسي برئاسة راشد الغنوشي و«حركة النهضة» يشهد صراعاً بين كتله الثلاث: كتلة «حركة النهضة» وحلفائها، والكتلتين الدستورية واليسارية اللتين تبنتا طرح مبادرة لتنحية الغنوشي من رئاسة البرلمان.
إن الأزمة التونسية أزمة هيكلية وليست ظرفية، بمعنى أن النظام السياسي الهجين هو أصل الأزمة، وتخطيها لا يمكن أن يتم إلا بمعالجة جذرية للنظام السياسي نفسه. وقد أظهرت التجربة عجز النظام البرلماني عن الخروج بالبلاد من الأزمات المتتالية. وتتوافق القوى السياسية في تونس كلها، فيما عدا «حركة النهضة»، على فشل النظام السياسي القائم المنبثق عن دستور 2014. فهذا الدستور، وعلى الرغم من ثرائه الحقوقي، فإنه -وبحسب غالبية المهتمين بالشأن السياسي- أسهم بشكل مباشر في تفتيت السلطة في البلاد، مما نتج عنه صراع بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان)، الصراع الذي بدأ بالظهور في فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وتعمق في الفترة الحالية، وستظل تونس مأزومة إلى تحسم خياراتها بين النظامين البرلماني والرئاسي.
كاتبة إماراتية