مر اليوم العالمي لالتهاب الكبد الفيروسي، نهاية الشهر الماضي، مرور الكرام، حيث لم يلق الاهتمام المعتاد من العاملين في مجال الصحة العامة، ولم يحظ بالتغطية الإعلامية المستحقة لحدث بهذه الأهمية ولمرض بهذه الخطورة.
ويعود السبب في ذلك إلى التركيز الدولي الصحي على وباء «كوفيد-19» الحالي، والذي ترافق مع تراجع مماثل في التركيز على أمراض وأوبئة لا تقل عنه خطورة، مما دفع بتلك الأمراض إلى المنطقة الخفية تحت ظلال فيروس كورونا.
وتتجسد خطورة مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي اللعين في نسختيه (B) و(C) اللتين تقتلان سنوياً أكثر من مليون ومئة ألف شخص، وتعرّض 3 ملايين سنوياً للإصابة للمرة الأولى. كما يقدر أن 9 ملايين و400 ألف شخص يتلقون حالياً العلاج ضد فيروس (C) فقط، أما التهاب الكبد الفيروسي (B) فيقدر أن 10% فقط من المصابين بالصورة المزمنة من هذا النوع، تم تشخيصهم، ومن بين هؤلاء يتلقى 22 في المئة فقط العلاج المناسب. ولذا، وحتى في ظل كارثة «كوفيد-19» الحالية، لا يمكننا تجاهل مرض يقتل شخصاً بمرور كل 30 ثانية، ويتسبب في خسائر اقتصادية واجتماعية جمة.
والمؤسف أنه وفقاً لتقرير صدر قبل بضعة أعوام عن فريق من العلماء بجامعة «إمبريال كوليدج لندن» في بريطانيا، وبالتعاون مع علماء جامعة «واشنطن» في الولايات المتحدة، ونُشرت نتائجه في واحدة من أشهر الدوريات الطبية في العالم (The Lancet).. فإنه رغم توافر تطعيم يحقق الوقاية ضد فيروسي (B) و(A)، وتوافر علاج يحقق الشفاء ضد فيروس (C)، فلا زالت الوفيات من التهابات الكبد الفيروسية بجميع أنواعها، تتخطى عدد الوفيات الناتجة عن الإيدز، وتقارب الوفيات الناتجة عن ميكروب السل. ويرتبط التهاب الكبد الفيروسي المزمن، وبالتحديد نوعا (B) و(C)، ارتباطاً وثيقاً بزيادة احتمالات الإصابة بتليف وسرطان الكبد، لدرجة أن 60 في المئة من حالات سرطان الكبد هي نتيجة التأخر في تشخيص وعلاج التهابات الكبد الفيروسية. فكثيراً ما لا تظهر أعراض الإصابة بتلك الفيروسات لفترة طويلة، وأحياناً لسنوات وعقود كاملة، وخلال هذه الفترة يتم تدمير خلايا الكبد ببطء وفي صمت، لتكون أول علامات وأعراض الإصابة هي أعراض وعلامات الإصابة بالسرطان على خلفية العدوى الفيروسية الكامنة لعقود.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية