عصر يوم الخميس الماضي (5 أغسطس)، خرج رئيس الحكومة اللبنانية المكلَّف نجيب ميقاتي من اجتماعه الخامس مع رئيس الجمهورية ميشال عون ليقول إنّ التقدم في ملف التشكيل بطيء، لكنه لم ييأس، وهو على أي حال لا يعتبر تكليفه مفتوحاً، لكنه لا يرى أنّ الأفق مسدود حتى الآن! هذا الأمر الذي أدخل المزيد من الإحباط على اللبنانيين، يأتي بعد يومٍ واحد من المؤتمر الثالث الذي أقامه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لدعم لبنان.
وقد أدان الرئيس الفرنسي السياسيين اللبنانيين الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، وبدا أنه يستهدف رئيس الجمهورية الذي أفشل بالفعل حتى الآن مساعي مجلس النواب لتشكيل حكومة مُهمّة للإنقاذ ووقف الانهيار والذهاب إلى المجتمع الدولي طلباً للمساعدة. بيد أنّ هذه الإهانة للسياسيين اللبنانيين ورئيسهم ليست نهاية المطاف.
فيوم 4 أغسطس شهد تظاهرات صاخبة في المرفأ ومن حوله، بمرور سنة كاملة على انفجار المرفأ الذي تخرّب، وخرّب ثلث مدينة بيروت، وأسقط 219 قتيلاً وآلاف الجرحى. المتظاهرون أظهروا فقداً للثقة بكل السياسيين، ودعوا لإحقاق العدالة بكشف من تسبب في تفجير المرفأ ومن سائر الجهات: إحضار نترات الأمونيوم على ظهر سفينة اسمها «روسوس» قيل إنها كانت عابرة إلى موزمبيق، لكنها بقيت في البحر بالميناء لخمس سنوات غرقت بعدها أو أُغرقت، وخلال ذلك أُنزلت النترات منها بقرار قضائي، ووُضعت الـ2750 طناً من تلك المواد شديدة الانفجار في العنبر رقم 12، وعندما انفجرت في 4 أغسطس عام 2020 ما كان قد بقي منها غير 560 طناً هي التي تفجرت أو فُجّرت.. فأين ذهبت البقية (رغم الحراسة القضائية) خلال السنوات السبع (2013-2020)؟
ما الذي يمنع في الحقيقة من إقامة حكومة جديدة، بل وإحقاق العدالة في جريمة المرفأ؟ الكل يتهم رئيس الجمهورية. لكنْ يقول آخرون إنه لولا «حزب الله» ودعمه للرئيس لما استطاع العناد. هؤلاء يذهبون إلى أنّ إيران تستخدم التوتير في لبنان (وحتى على الحدود مع إسرائيل مؤخراً)، وفي العراق وسوريا واليمن وفي الأمن البحري.. لفرض أجندتها على أميركا وعلى الغرب في الملف النووي وفي غيره. ويضربون مثلاً باقتراحات نصرالله أخيراً لحل مشكلة المحروقات باستيرادها من إيران بحراً أو براً عبر العراق وسوريا. وحاكم المصرف المركزي يقول إنه اشترى في شهر يوليو الماضي محروقات بـ845 مليون دولار، والتقدير أنه هُرّبت منها قيمة 600 مليون دولار إلى سوريا بتسهيل ومساعدة «حزب الله»، فلماذا لا يعطي الإيرانيون سوريا المحروقات بوساطة نصرالله بدلاً من تهريبها من لبنان؟! ليست لدى الحزب المسلَّح حلول، بل لديه رهاناتٌ وارتهانات. أما جبران باسيل، رئيس «التيار الوطني الحر»، فيريد بوساطة عمِّه الرئيس وزارةَ الداخلية من أجل الانتخابات، ووزارة العدل من أجل حماية أنصاره في التحقيقات بجريمة المرفأ!
الأوروبيون ينتظرون اعتذار ميقاتي ليفرضوا عقوبات على ستين سياسياً ورجل أعمال لبناني يعتبرونهم من المسهِمين في تعطيل الديمقراطية ومنع تشكيل الحكومة، وممارسة الفساد. أما اللبنانيون بعامة فيزدادون فقراً وجوعاً، والكهرباء صارت نادرة، والدواء والغذاء إذا وُجدا فهما شديدا الغلاء. وبعد كل اجتماع بين الرئيسين دون تشكيل حكومة تزداد الليرة انهياراً، وعند كتابة هذا المقال (صبيحة الجمعة 6/8/2021) وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 22 ألف ليرة لبنانية.
تشكيل الحكومة اللبنانية إذن يواجه مستحيلين: الحزب المستعصي بسلاحه، والرئيس المستعصي بصهره!
* أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية.