أعطاني صديق مؤخراً كتاب «قرابة أقوى» للمؤرخة آنا ليزا كوكس، والذي يحكي عن مدينة كوفرت بولاية ميشيجان، وهي بلدة صغيرة تبعد 30 ميلاً عن منزل طفولة صديقي. كان معظم طلاب مدرسته الثانوية من البيض تقريباً. لكنه علم الآن فقط أنه قبل أكثر من قرن من الزمان، كان السكان البيض والسود في كوفرت يعيشون كمواطنين متساوين، كما ورد في الكتاب.
ومنذ ستينيات القرن الـ19، كان السكان يعاملون بعضهم البعض كجيران بغض النظر عن العرق، وكانوا يزرعون جنباً إلى جنب. ولم يكن السود يدلون بأصواتهم مع البيض فحسب، بل أيضاً يترشحون لشغل المناصب ويفوزون. أما النساء فكن يساعدن بعضهن البعض في الأعمال المنزلية.
ويعد تكامل مدارس كوفرت مثالاً جيداً على علاقات الجوار في المدينة. ففي عام 1866 كان من غير القانوني أن يتعلم الأطفال السود والبيض معاً في ميشيجان. لذلك عندما اشترى المستوطنون السود أرضاً فيها مدرسة، كان من المتوقع حدوث مواجهة. وبدلاً من ذلك، قرر المجتمع، الذي يقدر قيمة التعليم، أن يفعل ما هو صواب وأن يثقف جميع الطلاب. وبالضرورة، كان ذلك يعني تعليمهم معاً في فصول مدرسية واحدة، حيث يجلس الأطفال جنباً إلى جنب، يتشاركون الكتب والأنشطة المدرسية، كما توضح المؤلفة.
ولحماية الأطفال السود، قامت إدارة مدرسة كوفرت بإدراج أسماء جميع الطلاب في تقارير إلزامية تقدمها إلى الولاية، لكنها حذفت العرق (أسود أو أبيض). وكتبت كوكس: «كان مجلس إدارة مدرسة كوفرت لديه سر، وكان يحتفظ به على نحو صادق وهادئ».
لكن لم يكن الأمر يتعلق بالعمل، سواء للأطفال أو الكبار. كان السكان البيض والسود يمارسون طقوسهم الدينية معاً، ويعاملون بعضهم البعض، ويساعدون في حالات الولادة ويشاركون بعضهم البعض الأحزان في حالات الوفيات، ويتشاركون في بناء الحظائر وحضور المهرجانات. كانت كوفرت مكاناً آمناً يملؤه الحب، حيث يتزوج عدد قليل بغض النظر عن اللون.
لم يتم تأسيس المدينة من قبل دعاة إلغاء عقوبة الإعدام، ولم يكن يُقصد بها أن تكون مدينة فاضلة، ولم تكن مثالية أيضاً، لكنها رفضت سيطرة العبودية على الشمال والقمع الذي شهدته البلاد ما بعد الحرب: قوانين جيم كرو، وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والفصل العنصري الذي أقرته المحكمة.
ورغم كل الصعاب، فقد ظلت البلدة تمثل «مجتمعاً من المساواة التامة» حيث كان الناس يتمثلون، يومياً، القاعدة الذهبية: «عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك». وكما تشير كوكس، ربما لا يجب أن نسأل: «لماذا كانت كوفرت على هذا النحو»؟ ولكن بالأحرى: «لماذا لا تكون كذلك؟». ثما أضافت تقول: «إن حيرتنا من بلدة كوفرت تكشف عن افتراض خفي بأن العنصرية هي القاعدة، وأن الظلم وعدم المساواة هما الأنماط الطبيعية التي تقع فيها الأمة إذا واتتها الفرصة».
وتشرح الكاتبة: هذا أمر مفهوم «بالنظر إلى التاريخ المروع والمليء بالحزن للعلاقات العرقية في أميركا، فإن كوفرت تذكرنا بأن ذلك التاريخ الرهيب كان اختياراً وليس أمراً مفروضاً».
ترودي بالمر
كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»