عندما خرج مقطع فيديو من المظاهرات غير المسبوقة المعارضة للنظام في كوبا الشهر الماضي لمحتج من هافانا يلوّح بالعلم الأميركي، سارع اليمين السياسي في الولايات المتحدة إلى استغلال هذا المظهر باعتباره دليلاً على أن الكوبيين يكرهون الشيوعية ويريدون حرية على غرار تلك التي لدى الولايات المتحدة.
هذا في حين وضع البعضُ على وسائل التواصل الاجتماعي صورة الكوبي الذي يلوّح بالعلم الأميركي إلى جانب مشاهد محتجين أميركيين يحرقون الأعلام في المظاهرات التي نُظمت الصيف الماضي للاحتجاج على وحشية الشرطة ومناهضة العنصرية.
ومن جانبها، شعرت المنظمة الرئيسية في حركة «حياة السود مهمة» أيضاً بضرورة الإدلاء بدلوها في الأحداث التي وقعت في كوبا. فقالت «مؤسسة الشبكة العالمية لحياة السود مهمة» إن مسيرة الكوبيين الساخطين في الشوارع هي النتيجة المباشرة لـ«المعاملة غير الإنسانية التي تعامل بها الحكومة الفيدرالية الأميركية الكوبيين» من خلال حظر اقتصادي يبلغ عمره ستين عاماً.
والحرية التي على المحك هي في الواقع «حق الكوبيين في اختيار حكومتهم» والإبقاء على «التزام كوبا بالسيادة وتقرير المصير». سيل التعليقات ربما لم يفعل شيئاً لتوضيح ما الذي يعتمل حقاً في كوبا، ولكنه يُبرز كيف أن هذه «الدولة الجزيرة» البالغ عدد سكانها 11 مليون نسمة ما زالت تُلهب مشاعر عميقة بين الأميركيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية بعد أكثر من ستة عقود على إطلاق فيديل كاسترو الملتحي ثورته الشيوعية. وفي هذا السياق، يرى مايكل بوستامانتي، أستاذ التاريخ الأميركي اللاتيني بجامعة فلوريدا الدولية في ميامي، أن «لدى الولايات المتحدة وكوبا تاريخاً طويلاً ومتشابكاً لعبت فيه كوبا والشعب الكوبي بمختلف تمثيلاته دور وكلاء مناسبين لمُثل ومخاوف كل من اليمين واليسار في هذا البلد».
وقال د. بوستامانتي: «إن ما نراه رداً على الانتفاضة العفوية في كوبا هو قيام كل واحد من طرفي الطّيف السياسي هنا بنوعين مختلفين جداً ولكن متشابهين من الإسقاطات على كوبا». وأضاف قائلاً: «فعلى اليسار، ما زال الأمر يتعلق بفكرة كوبا باعتبارها قدوة ونموذج مجتمع أكثر مساواة مع بعض المساواة العرقية التي لم تحققها الولايات المتحدة. وعلى اليمين، يُسقط الناس أسوأ مخاوفهم مما يعتقدون أن أي شكل من الاشتراكية في الولايات المتحدة سيعنيه».
عندما طبّع الرئيس باراك أوباما العلاقات مع هافانا في 2015، توقع العديد من الخبراء الإقليميين أن هيمنة كوبا على الخيال الأميركي ستتبدد، وذلك على اعتبار أن علاقات أكثر انفتاحاً وتحولاً اقتصادياً حتمياً في كوبا سيجعلانها شبيهة ببلدان صغيرة أخرى في أميركا اللاتينية أكثر مما سيجعلانها مختلفة عنها. ولكن ذلك كان قبل العام الماضي المضطرب في الولايات المتحدة، حيث انضاف صيف من الاحتجاجات على الصعيد الوطني بسبب المساواة العرقية إلى الوباء والتدابير الحكومية التي اتُّخذت من أجل معالجته.
ومعاً، ساهم كل ذلك في تأجيج النقاشات الوطنية المحتدمة حول مواضيع مثل الحكومة الكبيرة في مقابل الحقوق الفردية وبخصوص مواضيع ساخنة مثل العنصرية المؤسساتية والاشتراكية والحرية. وعندما جاءت المظاهرات الكوبية، يقول د. بوستامانتي، كان الكثير من الأميركيين مستعدين ليروا فيها القناعات التي تقوت على مدى العام الماضي. وعلى سبيل المثال، فمن بين أولئك الذين على اليمين الذين ينظرون إلى كل شيء، من ضرورة ارتداء الكمامة إلى الائتمانات الضريبية الخاصة بالأطفال، على أنه اشتراكية زاحفة، فإنهم «ألقوا نظرة واحدة ثم قالوا:«إنهم يريدون أن يحوّلوننا إلى صورة مطابقة لذلك!».
أحد الأشياء التي حققتها الانتفاضة الكوبية في الولايات المتحدة هو تشديد مقاربة إدارة بايدن تجاه كوبا. فقبل المظاهرات، كان البيت الأبيض يتجه نحو إلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب واستئناف عملية فتح العلاقات التي كان الرئيس أوباما قد بدأها. ولكن ذلك تغير الآن، حيث أعلن جو بايدن عن عقوبات جديدة على المسؤولين الكوبيين المتورطين في قمع المحتجين.
وعلاوة على ذلك، قال بايدن إن إدارته تعمل على توفير خدمات إنترنت في كوبا ستتفادى جهود الرقابة الرسمية وتلتف عليها. كما تبحث إمكانية سن سياسة جديدة بخصوص التحويلات المالية تهدف إلى السماح بعمليات تحويل مالي خاصة لا تؤدي في الوقت نفسه إلى إغناء الحكومة.
وكان الكوبيون الشباب قد لبّوا الدعوات التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وخرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على كل شيء، من تقلص الاقتصاد وتدني مستوى الخدمات إلى محدودية الحقوق الفردية. ولكن بعض الأميركيين يرون أن الاحتجاجات كانت في الواقع تتعلق بشيء واحد هو الحرية. غير أن بعض الخبراء يحذرون من اختزال الاحتجاجات الكوبية في السعي وراء الحرية.
وإذا كان ذلك يسمح لكل الأطراف السياسية في الولايات المتحدة برؤية نسختها من الحرية في الاحتجاجات، فإنه يتجاهل تعقيدات الاحتجاجات والحقائق غير المناسبة التي تطرحها أيضاً. وفي هذا السياق، يقول خورخي فليبي غونزاليس، أستاذ التاريخ والخبير في العلاقات الأفريقية-الأميركية اللاتينية بجامعة تكساس في سان أنتونيو:«للأسف، تُستخدم كوبا حالياً كبيدق سياسي في هذه المعركة المحتدمة جداً بين اليمين واليسار حول تمثلاتهما المختلفة للحرية».
*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»