استعرض «الحشد الشَّعبي»(في 26 يونيو 2021) ألويته بذكراه السابعة، والمكان معسكر «أشرف»، والزّمان التأسيس(في 16 مارس 2014)، لكنّ الاستعراض تأخر، لأن قادة الميليشيات أرادوه ببغداد، لِما تعنيه العاصمة مِن رمزيّة، وبسبب الممانعة، أُتفق أن يكون خارجها، فوقع الاختيار على «أشرف»، تعويضاً عن رفع صور القادة الإيرانيين، التي عادة ما تتصدر استعراضات الميليشيات، سُمَّي المعسكر نسبة لأشرف رجوي، البارزة في «مجاهدي خلق»، والتي أُطلق سراحها بعد الثَّورة(1979)، ثم قُتلت مِن قِبل الثَّورة نفسها.
يوحي احتفال الحشد، على أرض «أشرف»، القضاء على أشرس المعارضين، والانتصار في الحرب العراقية الإيرانية، تخفيفاً مِن قبول الانكسار بقرار وقف الحرب(598)، الذي عبر عنه الخميني مخاطباً الإيرانيين (19 يوليو 1988): «تباً لي الذي بقيتُ حتى هذه اللحظة، وشربتُ كأس السُّم بقبول القرار»(صحيفة الإمام، 21). فُتح «أشرف»(1986) لمقابلة فيلق «بدر» والأحزاب الدينية، المُقاتلة مع إيران ضد العِراق، وإذا بمَن قال: «إذا الإمام قال: حرب يعني حرب وإذا قال: سلم يعني سلم»، يستعرض ولاءه لإمامه بـ«أشرف»! كذلك أن البقاءَ على اسم «أشرف» له دلالة، فإنْ تبدل سقطت.
لم يتأسس الحشد بفتوى «الجهاد الكفائي»، إنما جاءت مناسبة لإعلانه، خلاف ما قصدت المرجعية الدينيّة بالفتوى. أما التأسيس فبدأ(2003)، بدخول «بدر» نواةً، ثم تأسيس «جيش المهدي» بإشراف أبي مهدي المهندس(قُتل: 2020)، الذي قاده في معارك النجف(2004). منذ ذلك الوقت كان العمل جارياً على تأسيس «الحرس الثوري»، نسخة مِن «حزب الله» بلبنان. بعدها جاء قانون مِن البرلمان (2016) ليكون جزءاً مِن الدولة، ولكن الواقع أنه جيش موازٍ.
كان الاستعراض لجيش آخر، وبأسلحة متفوقة، حاصر بها «ربع الله» «الخضراء»، بسبب اعتقال أحد «الحشديين» بتهمة اغتيال، وأن نائب قائد عمليات للحشد، يُهدد بقطع يد وزير الدَّفاع! فعن أيّ امتثال لجيش الدولة يتحدثون، والسلطة، بوجود الجيش الموازي، عجزت عن اعتقال قاتلٍ؟! كان مشهد الاستعراض دعائياً، لإظهار الحشد أنَّه يمثل العراقيين كافة، باستعراض أنفار يحملون الصُّلبان، وعمائم مِن السُّنَّة.
نقرأ في التاريخ: ما مِن قوةٍ نمت بموازاة جيش الدولة، إلا وشكلت دولتها الخاصة، فالغلمان الترك تمكنوا مِن الخلافة العباسية، وفرضوا منصب «أمير الأمراء» عليها بتنظيم عسكري، ولم يتمكن البويهيون(337-447هجرية) والسلاجقة(447- بعد 590هجرية) مِن بغداد إلا بميليشياتهما.
أُسس «الحشد»، خلاف الميليشيات العِراقية السابقة، خارج الدولة، بالفرض الإيرانيّ، فدعاء خامنئي لمهندس «الحشد» المساعد لسيلماني: «كل ليلةٍ أدعو باسمك»! ليس لشخصه، إنما للجيش الذي أنشأه له بدماء وأموال عراقيّة، دون أن يخسر المرشد الإيراني شيئاً!
أمَّا الإعلان عن الحشد ضمن المنظومة الدَّفاعية العِراقيَّة، فهذا «خرافة يا أمّ عمرو». لا يمكن لإيران التَّخلي عن جيشها، وقد بذلت(19) عاماً لتنشئه! لهذا أعاد خامنئي على العراقيين، في الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية (2019) مقولة، توقف تداولها طويلاً: «ذوبوا في الإمام الخميني مثلما ذاب هو في الإسلام»!
إنَّ وجودَ جيشين يعني دولتين، كما كان الحال مع السلطنتين البويهية والسُّلجوقية، وكلاهما عبرا الحدود الشرقية بأفيالهما إلى بغداد. إنه التعسف بنزف الدم ونهب الثروة. لا يدرك تَعسف هذه ثنائية، إلا قلبٌ مَكْلومٌ كقلبِ أمِّ المغدور إيهاب الوزني(اغتيل: 2021)، وهي ترى قاتل ولدها يُطلق سراحه بسطوة الجيش الموازي. لمحمد رضا الشَّبيبي(ت: 1965): «تَعَسّفَ قَومٌ بالعِراقِ وسَاوَمُوا/عَلى وطَنِ ما سِيم يومًا بأثْمَانٍ»(الخليلي، هؤلاء عرفتهم).