استقلت هاييتي عن فرنسا عام 1804، لكن ربما يكون ذلك هو الإنجاز الإيجابي الوحيد في تاريخ تلك الدولة المليء بالأزمات والصراعات السياسية العنيفة والكوارث الطبيعية، ولم يكن اغتيال الرئيس الهاييتي جوفينيل مويس في 6 يوليو الجاري على يد عصابة من المرتزقة الأجانب سوى حلقة في سلسلة متصلة من العنف الدامي والانقلابات العسكرية.
كانت جزيرة هاييتي إحدى محطات كريستوفر كولومبوس في رحلته الاستكشافية الشهيرة عام 1492، واحتلتها فرنسا في عام 1626 وحولتها إلى مزرعة هائلة لقصب السكر بشكل أساسي، وجلبت إليها نصف مليون أفريقي (يبلغ عدد السكان اليوم، ومعظمهم من أحفاد الأفارقة الذين جلبوا عبيداً للعمل في الجزيرة، حوالي 11 مليون نسمة). وخاض العبيد ثورة طويلة ضد فرنسا استمرت بين عامي 1791 و1804 حيث حصل سكان الجزيرة من الأفارقة على استقلالهم، لكن البلاد دخلت موجة من العنف وعدم الاستقرار منذ ذلك التاريخ، و ظلت فقيرة بائسة، يشتغل معظم سكانها بالزراعة، وتعيش فيها أيضاً جالية عربية بدأت بالهجرة إليها منذ منتصف القرن التاسع عشر من حضرموت وسوريا ولبنان، ثم فلسطين.
وقد دخلت هاييتي في مرحلة من الفوضى وغياب الدولة ومؤسساتها منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته عام 1991، وصارت تدير الاستقرار والأمن فيها (2004–2017) قوة من الأمم المتحدة تتكون من حوالي 8 آلاف جندي. وإضافة إلى الفوضى والعنف، تضرب الجزيرة على نحو مستمر أعاصيرٌ مدمرة، كان أشدها في عام 2010، والذي أدى إلى مقتل أكثر من مائتي ألف شخص وتشريد ثلاثة ملايين آخرين، أي حوالي ثلث سكان البلاد.
وتعاني هاييتي من أعلى معدلات وفيات الأمهات والأطفال الرضع، وتنتشر فيها أمراض السل والملاريا والإيدز، ويفتقر معظم السكان فيها للخدمات الصحية الأساسية، ويهرب سنوياً ألفا طفل من الجزيرة إلى خارجها، وغالباً ما يتم ذلك بموافقة ذويهم، ولا يلتحق بالمدارس أكثر من نصف الأطفال في سن الدراسة، ويعمل حوالي ألف طفل في العصابات المسلحة المنتشرة والمتمكنة في الجزيرة. ويعيش أكثر من 60 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
كان يفترض أن تنتهي ولاية الرئيس المغدور جوفينيل مويس (53 عاماً) في 9 فبراير الماضي، حيث تولى الرئاسة في 9 فبراير 2017 خلفاً للرئيس ميشيل مارتيلي، لكنه مدد ولايته لمدة عام لمواجهة ما أعلن عنه من محاولة انقلاب للإطاحة بحكومته واغتياله. وكانت سنوات حكمه مليئة بالعنف والاحتجاجات والمظاهرات والاتهامات بالفساد.
وتحاول الدول المؤثرة، وخاصة الولايات المتحدة، الاستدراك على الأزمة الجديدة الناشئة في هاييتي بسبب اغتيال الرئيس، عبر إجراء انتخابات عاجلة للخروج من حالة الفوضى والانقسام الاجتماعي والسياسي، إذ أعلن ثلاثة مسؤولين أنهم يديرون البلاد، وهم كلود جوزيف رئيس الوزراء بالوكالة، وأرييل هنري رئيس الوزراء المعين (لكنه لم يقسم اليمين)، وجوزيف لامبير رئيس مجلس الشيوخ. وقد تتدخل الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات وربما تنظيم قوة عسكرية وأمنية في بلاد تكاد تكون بلا جيش ولا شرطة.
الهاييتيون الذين نجحوا في الحفاظ على دينهم الأصلي (الفودو)، والذين لم تكن الأرواح التي ظلوا يعبدونها سوى أرواح العبيد المضطهدين والمقهورين.. بحاجة الآن لمواجهة الفقر والمرض والزلازل وبقايا الاستعباد. لكن أي روح ستحل في أجساد الراقصين في الطقوس الدينية في هاييتي؟