الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم رحمه الله، كان يتميز بدقة المعرفة للشأن العام، الذي كان يحمله على كاهله من خلال المسؤولية الاجتماعية، وذلك ليس لكونه نائباً لحاكم دبي، أو وزيراً للمالية بالدولة، بل بصفته فرداً من أفراد الشعب، فالحس الاجتماعى كان يتملك كيانه.
انطلق يوماً متجهاً إلى ديوان الحاكم، فوجد نفسه فجأة في مسار مختلف عن المعتاد، ولكن دون أن يوصله إلى مبتغاه، فسأل مرافقيه عن الأمر، فقالوا بأن هناك إصلاحات جارية لهذا المسار من قبل هيئة الطرق، فأحس الشيخ حمدان بأن هناك خطأ ما في التخطيط لمسارات هذا الشارع الذي يبعد جميع مستخدميه عن الوصول إلى قضاء مصالحهم بسهولة ويسر وانسيابية.
فطلب المسؤل المباشر عن الهيئة عبر الهاتف آمراً إياه بسرعة تعديل المسار بما يتناسب مع احتياجات الناس اليومية وهو واحد منهم، ولم يمض وقتاً طويلاً حتى تم إصلاح المسارات وفق الهدف المطلوب. فالمعني هو الإنسان الذي يستخدم هذا الطريق الذي يجب أن يكون سالكاً نحو هدفه وبلا عثرات.
وفي الشأن الديني له ما يدلي به، ففي إحدى ليالي شهر رمضان الكريم والشيخ حمدان داخل إلى مسجده للصلاة، فوجئ بعدم تواجد الإمام الراتب والذي كان يؤمهم لسنوات طوال.
وبعد إتمام الصلاة سأل أصحابه عن سبب غياب الإمام المعروف لديهم في هذه الليلة، لعله مريض أو لديه عذر قاهر منعه من الحضور لإمامة المصلين.
وبعد الاستفسار عنه، تبين بأن السبب وراء ذلك هو إجراء بـ«نقل إداري» إلى مسجد آخر بمنطقة حتا، فطلب الشيخ حمدان التحدث إلى المسؤول عن الأوقاف آنذاك، فأقر بأن ذلك صحيح وهو إجراء تقوم به الدائرة بين فترة وأخرى، فأجابه بأن هذا الإمام يخصني أمره وأنت تعرف ذلك فعلى الأقل لو شاورتنا قبل اتخاذك لهذا القرار، وأريده غداً في مسجدي، قال: أمرك طال عمرك، وشعر حمدان باستيائه أثناء رده وكأنه استاء من ذلك، فلاطفه كي يخفف عنه ومازحه.
وأذكر أنه لما زاد لديّ أفراد الأسرة وضاقت عليّ مساحة الأرض تقدمت إلى البلدية للحصول على منحة أرض أكبر من منزلي القديم، فلم تتأخر البلدية عن ذلك ولكن المساحة لم تتغير عن سابقتها.
مما استدعى مراجعة المسؤولين في البلدية لإعادة النظر في الأمر، فصادفت أحد المهندسين القدماء هناك فسأل عن موضوعي فشرحت له، فقال: اقبل بالمنحة قبل أن تتقلص الأراضي إلى مساحة 4000 قدم مربع بدل عشرة آلاف الحالية، لأن دبي لم تعد فيها أراض، وهذا المقترح سيعرض على الشيخ حمدان قريباً، فقلت له: هذا المقترح لن يقبل به الشيخ حمدان لأنه لا يرضى بأن يعيش المواطنون في عشش الدجاج، فسعة قلب حمدان أوسع من مساحة دبي.
ولم أستسلم لرأي المهندس، فراجعت ديوان الحاكم الذي وافق على زيادة مساحة الأرض الجديدة، هذا المقترح رفع في منتصف التسعينيات ولم يقبل به الشيخ حمدان طوال 25 عاماً من حياته لأنه كان مدركاً تماماً لاحتياجات المواطنين مع تطور الزمن، ففي وقت تأسيس دبي لم يسكن مواطن في تلك المساحة الضيقة فكيف بالوضع اليوم.
لقد كانت بلدية دبي في فترة رئاسة الشيخ حمدان، من أوائل المؤسسات في إمارة دبي، التي كانت تكافئ العاملين فيها على كل مقترح يتم تنفيذه بمبلغ قدره 30000 ألف درهم، ومن بعدها بدأنا نستمع إلى أصوات الدوائر الأخرى للمضي في هذا المسار لتحفيز الموظفين بكافة درجاتهم الوظيفية.