تتنامى أهمية التعليم والتدريب المهني في دولة الإمارات العربية المتحدة حيناً تلو الحين، وذلك لعدة عوامل جوهرية. العامل الأول: طبيعة سوق العمل المحلية والتي تعتمد في المقام الأول على امتلاك الشخص للمهارات الضرورية للقيام بأعباء الوظيفة المُرشح لها، وهي مهارات قلما تقوم مؤسسات التعليم العالي بتسليح خريجيها بها، نظراً للاعتماد الرئيسي على المخرجات الأكاديمية. والعامل الثاني هو الرعاية الكبيرة التي يحظى بها حقل التعليم والتدريب المهني من حكومة الإمارات والتي تركز منذ عقود على توطين سوق العمل بالمواطنين المؤهلين والمسلحين بالمهارات اللازمة لمختلف الوظائف. والعامل الثالث هو تزايد وعي المواطنين من الجنسين بأهمية اكتساب مهارات سوق العمل من خلال الدراسة في مؤسسات التعليم والتدريب المهني المنتشرة في ربوع الإمارات، وذلك لضمان المهنة المناسبة في وقت أصبح المواطن على درجة كبيرة من الوعي والشجاعة على خوض غمار مختلف المهن في سوق العمل، والتي كان معظمها حكراً حتى أعوام قليلة ماضية على الوافدين.
ولقد انعكست تلك الأهمية على تطور قطاع التعليم والتدريب المهني نفسه والذي شهد العام الماضي إنشاء المركز الوطني للمؤهلات ضمن وزارة التربية والتعليم، والذي تسلم مهام «الهيئة الوطنية للمؤهلات»، ليس فقط ليقوم بأمور التشريع والرقابة والإشراف على قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني، بل وليبني على منجزات الهيئة والتي تأسست في العام 2010. ولذلك فإن مستقبل ذلك القطاع التعليمي الحيوي يقع على عاتق الجهة المنوط بها رسم وتنفيذ والإشراف على استراتيجيات التعليم، العام والعالي والمهني، في الإمارات وهي وزارة التربية والتعليم، في وقت تكتسب فيه مهارات التعليم العام أهمية للتعليم العالي والذي يزود خريجيه بالدرجات الأكاديمية، أما المهارات المكتسبة من التعليم المهني فهي موجهة لسوق العمل في الأساس، رغم قناعتنا بأن كافة مخرجات تلك القطاعات من المفترض أن تصب جميعها لمصلحة سوق العمل. ولعلنا هنا نسوق بعض النقاط التي قد تشكل أساساً لتطوير قطاع التعليم والتدريب المهني، بما يضمن مستقبلاً زاهراً وناجحاً لمواطن الإمارات في هذا المجال.
ومن أهم تلك النقاط عملية الاعتراف بمخرجات مؤسسات التعليم والتدريب المهني واعتمادها لدى وزارة التربية والتعليم حسب المنصوص عليه في المنظومة الوطنية للمؤهلات. فالمعلوم أن تلك المنظومة قد أوضحت العلاقة بين مخرجات التعليم والتدريب المهني ونظيرتها في التعليم العام والعالي من خلال عشرة مستويات. وبمعنى آخر، عرضت المنظومة حالة اعتراف واعتماد وزارة التربية والتعليم بمخرجات التعليم والتدريب المهني بكل وضوح وشمولية. ومثال ذلك، من يجتاز متطلبات المستوى الرابع أو السادس أو السابع من المنظومة، فهو مؤهل للحصول على الاعتراف واعتماد شهادات تلك المستويات بالثانوية العامة والدبلوم المتقدم والبكالوريوس التطبيقي على التوالي.
وبالتالي فإن المطلوب هو تنفيذ تلك المنظومة، وليس على سبيل المثال تغييرها؛ لأنه لم يسبق في الأساس تطبيقها على أرض الواقع وبالتالي لم تسنح الفرصة لتقييمها وإجراء أية تغييرات عليها، بل المفترض تنفيذها ثم تقييمها.
والنقطة الثانية الخاصة برسم مستقبل التعليم والتدريب المهني في الدولة، هي ضرورة تفعيل إجراءات «الاعتراف بالتعلم والخبرات السابقة» على مستوى الدولة والتي سبقت كافة دول المنطقة في هذا المجال من نواحي الدراسة والتشريع ووضع الإطار والخطوات اللازمة لتحقيق ذلك الاعتراف والذي ستستفيد منه شرائح عريضة من مواطني الدولة. أما النقطة الثالثة، فتتعلق بضرورة تكثيف حملات نشر الوعي بين المواطنين في المراحل الدراسية المبكرة من التعليم العام بأهمية التعليم والتدريب المهني لسوق العمل في الإمارات، لكي يتمكنوا من تحديد مستقبلهم الدراسي بصوة أفضل.