تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة دوماً على تطوير قطاع التعليم، بشقيه العام والعالي، بما يتوافق مع خطط وبرامج التنمية واحتياجات سوق العمل إضافة إلى متطلبات ومعايير الاعتماد الدولي لمؤسسات التعليم العالي. وفي الوقت نفسه، يحظى قطاع التعليم والتدريب المهني باهتمام ورعاية كبيرة من خلال إنشاء العديد من الجهات الحكومية المشرفة على ذلك القطاع، ومن أبرزها «مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني»، بجانب نخبة من مؤسسات التعليم والتدريب المهني ومن أهمها معهد أبوظبي للتعليم والتدريب المهني و«بوليتكنيك أبوظبي»، ومعهد التكنولوجيا التطبيقية ومدارس الثانوية الفنية وغيرها. ولذلك كان من الضروري إنشاء جهة وطنية تقوم بأمور التشريع والرقابة والإشراف على قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني. وجاء تأسيس «المركز الوطني للمؤهلات» عام 2020 ضمن وزارة التربية والتعليم ليحل محل «الهيئة الوطنية للمؤهلات»، التي تأسست عام 2010 وقطعت شوطاً كبيراً في وضع اللبنة الأساسية لتنظيم قطاع التعليم والتدريب المهني في الدولة من خلال العديد من الإنجازات على رأسها «المنظومة الوطنية للمؤهلات» والتي وضعت الإطار العام للعلاقة التنظيمية بين مخرجات التعليم والتدريب المهني ونظيرتها في التعليم العام والعالي.
وبالرغم من وضوح تلك العلاقة، والتي تقوم على معادلة مخرجات التعليم والتدريب المهني بشهادات ودرجات أكاديمية في التعليم العام والعالي، وذلك من خلال 10 مستويات في المنظومة الوطنية للمؤهلات، إلا أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، وذلك برأيي لعدة عوامل. العامل الأول، هو وجود قطاع تعليم عام وعالي قائم ومنظم منذ إنشاء الدولة يرتكز على تشريعات واضحة ومتكاملة ويحظى باهتمام المجتمع الإماراتي الذي يضع تعليم أبنائه على رأس أولوياته، مقابل قطاع حديث التأسيس ويركز على شريحة محددة من المواطنين، ألا وهم أصحاب المهارات والكفاءات العملية، والذين يرغبون في تطويرها من خلال بيئة تعليم تقوم في الأساس على التدريب المكثف وتطوير المهارات الفردية.
والعامل الثاني يتركز في طبيعة الاستقطاب في دول العالم، والتي تقوم في الغالب على توظيف حملة شهادات ودرجات التعليم العام والعالي وليس خريجي التعليم المهني، الأمر الذي تسبب في مساجلات في العديد من دول العالم المتقدمة حول أيهما أهم لسوق العمل: حملة الشهادات الجامعية أم أصحاب المهارات المهنية. أما العامل الثالث فهو وضوح ما يتحصل عليه خريج التعليم العام والتعليم العالي من شهادات ودرجات أكاديمية معتمدة ومعترف بها من وزارة التربية والتعليم، مقابل مخرجات في التعليم المهني كان من المفترض أن يتم معادلتها بشهادات ودرجات محددة في التعليم العام والعالي، الأمر الذي لم يحدث في الغالب لأسباب متعددة يختلف بشأن تحليلها المراقبون لتطورات قطاع التعليم المهني، ولذلك ظلت مخرجات بعض مؤسسات التعليم والتدريب المهني في انتظار معادلتها والاعتراف بها من وزارة التربية والتعليم.
والعامل الرابع هو تأخر تفعيل جانب مهم من المنظومة الوطنية للمؤهلات ألا وهو «الاعتراف بالتعلم والخبرات السابقة» وهو أحد أعمدة التعليم والتدريب المهني في العديد من الدول المتقدمة، التي تتبنى منظومة مؤهلات مماثلة للمنظومة الوطنية للمؤهلات.
ونتيجة لتلك العوامل الأربعة، والعديد غيرها، واجهت مخرجات قطاع التعليم المهني تحديات كبرى تتعلق باعتمادها والاعتراف بها من الجهات المعنية في وزارة التربية والتعليم، الأمر الذي ألقى بظلاله الكثيفة على واقع التعليم والتدريب المهني في الدولة حتى وقت اندماج الهيئة الوطنية للمؤهلات مع وزارة التربية والتعليم وإنعاش الجهود ووضع الخطط الواقعية حول مستقبل ذلك القطاع الاستراتيجي في ظل الاهتمام غير المسبوق من قيادة الدولة بمخرجاته.