بعد حرب 1967، استضاف الرئيس ليندون جونسون رئيس الوزراء الإسرائيلي «ليفي إشكول» في تكساس. وسأله مباشرة: «أي إسرائيل تريد؟» رفضت إسرائيل رسميا العودة إلى خطوط الهدنة قبل الحرب، والتي شعرت أنها ساعدت في اندلاع الحرب. إذن ماذا تريد بدلا من ذلك؟ أية حدود -وأي مواطنون -تصورها إشكول؟ رد إشكول: «سيادة الرئيس.. لدي ائتلاف شامل....وقد قررت الحكومة عدم اتخاذ قرار حتى يكون هناك شريك عربي في المفاوضات... للأسف، لا أستطيع أن أخبرك أي نوع من إسرائيل أريد!»
لقد واجه خلفاء إشكول –ومن بينهم، بنيامين نتنياهو -نسخاً من سؤال جونسون. عندما يترك نتنياهو منصبه، ربما للمرة الأخيرة، فإنه يترك الأمة أكثر ثراءً، وقوة من بعض النواحي، ومع ذلك فهي أكثر انقساماً من أي وقت مضى.
لم يكن عدم إجابة إشكول لجونسون مجرد مراوغة. في الواقع، لم يكن في وضع يسمح له بالتحدث باسم إسرائيل دون تفويض من حكومته. فرؤساء الوزراء ليسوا رؤساء، على الرغم من أن نتنياهو غالباً ما كان يتصرف كرئيس. يكون رؤساء الوزراء، رسمياً على الأقل، على رأس مسؤولي الحكومة التي تحكم البلاد بشكل جماعي وتصدر الأوامر لقواتها المسلحة. سيكون هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة «لنفتالي بينيت»، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، و«يائير لابيد»، «رئيس الوزراء البديل» ووزير الخارجية، المقرر أن يصبح رئيساً للوزراء في عام 2023. سيكون لكل رجل حق النقض (الفيتو) على جميع القرارات الرئيسية في ائتلاف يضم ما لا يقل عن ثمانية أحزاب، تغطي الطيف الأيديولوجي الكامل، من اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار، وتضم حزباً عربياً لأول مرة منذ الخمسينيات.
والنتيجة هي أن التحركات الرئيسية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في أي اتجاه، لن تكون ممكنة مع هذه الحكومة. فالتطورات التي تبدو متواضعة، يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على المدى الطويل.
إن «بينيت» متشدد للغاية بشأن هذه القضية، ويعارض بشكل علني وثابت قيام دولة فلسطينية، لكنه ليس وحده. في 2017، وصف لي كيف أصبحت آرائه اليمينية المتشددة سائدة في إسرائيل، في أعقاب التفجيرات الانتحارية في الانتفاضة الثانية، التي بدأت في سبتمبر 2000، وإطلاق الصواريخ الذي اشتد بعد انسحاب إسرائيل من غزة في 2005. كان من أوائل المؤيدين لضم المنطقة «ج» في الضفة الغربية -أكثر من 60 في المائة من أراضي الضفة-ورأى أن عناصر خطته مدمجة ليس فقط في نهج نتنياهو الرسمي، ولكن أيضاً في خطة ترامب-كوشنر لعام 2020.
يشارك آخرون في الجهة اليمنى من الحكومة الجديدة العديد من هذه الآراء. أخبرني «جدعون ساعر»، وزير العدل القادم، أنه على الرغم من أن الضم غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي -نظراً لالتزام إسرائيل كجزء من اتفاقيات أبراهام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين -إلا أنه يظل هدفاً استراتيجياً. وكانت آراء وزير المالية «أفيجدور ليبرمان» أكثر تعقيداً، حيث أيد اسميا حل الدولتين من نوع ما، لكن لا أحد يظن أنه مسالم.
مع ذلك، هاجم نتنياهو ومعسكره بينيت لتشكيله حكومة «يسارية». أما لابيد، فهو يؤيد قيام دولة فلسطينية، رغم أنه يرفض تقسيم القدس. يبدو لابيد وكأنه إسرائيلي وسطي، ومعه ستشعر واشنطن، بقيادة جو بايدن، بالراحة. إنه يأمل في إعادة بناء الجسور مع «الديمقراطيين» الأميركيين، والتي تضررت للغاية خلال سنوات نتنياهو. وهو، على الصعيد المحلي، يتبنى رؤية ليبرالية علمانية. وهذا يستلزم الحد من تأثير السلطات الدينية على الشؤون الشخصية وسلطة الأحزاب الحريدية («الأرثوذكسية المتطرفة»)، التي خرجت الآن من الحكومة، والتي يمكن أن يقبلها بينيت الأرثوذكسي الحديث ولكن إلى حد ما فقط. يقود لابيد أكبر فصيل في الحكومة الجديدة التي شكلها بنفسه، واكتسب الاعتراف به كزعيم جديد يسار الوسط.
إلى جانب «لبيد»، هناك أحزاب أخرى تدعم التسوية بدرجات متفاوتة. تتراوح هذه من حزب «أزرق أبيض» بزعامة «بيني جانتس» إلى حزب العمل، بزعامة «ميراف ميخائيلي» وحزب «ميرتس» اليساري، بزعامة «نيتسان هورويتز». حيث يرفض بينيت وساعر قيام دولة فلسطينية، ويرفض ميخائيلي وهورويتز فكرة الضم أو استمرار الاحتلال لأسباب أيديولوجية وأمنية. وسيقومون، في الواقع، بإلغاء بعضهم البعض، بسبب حق النقض المتبادل بين بينيت ولابيد ولأن المعسكر المسالم نسبياً في الائتلاف سيمثل على الأقل 42 من 61 مقعداً في الائتلاف.
ولعل الأكثر إثارة للاهتمام هو إدراج حزب «راعم» الإسلامي الذي يمثل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والذي فاجأ الجميع بالسعي للانضمام إلى ائتلاف -نتنياهو أو بينيت ولبيد -لتعزيز السياسة الداخلية لصالح ناخبيه، وليس السياسة الخارجية لصالح القضية الفلسطينية. أولويات قائمة راعم تدل على الحكومة ككل.
إن أجندة (بينيت -لابيد) بشأن القضية الفلسطينية واضحة: ليس لديها أي شيء. فقد تم تكوين الائتلاف الجديد لمعالجة قضايا مختلفة تماما، وتحديد أجندة محلية بعيدة المدى تبدأ بهدفين بسيطين: استبدال نتنياهو وإنهاء أزمة الحكم في إسرائيل.
لا ينبغي الاستهانة بخطورة أزمة الحكم. في مثال واحد فقط، منع نتنياهو تمرير ميزانية الدولة – التي وضعتها حكومته -لتحقيق مكاسب سياسية شخصية. سمحت له هذه الخطوة بالدعوة للانتخابات دون ترك منصبه. لو تنحى نتنياهو جانباً، لكان حزبه قد شكل بسهولة ائتلافاً متجانساً ومستقراً نسبياً.
*مدير مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينجز
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»