لم تكن الصحافة أبداً أكثر المهن إثارة للإعجاب، وفي السنوات الأخيرة ازداد اللغط بشأن ممارسيها. وتقدر مؤسسة جالوب ثقتها في الإعلام بنحو 40% على المستوى الوطني، في انخفاض حاد عن أعلى مستوى لها والذي بلغ 70% في السبعينيات، عندما نشرت «واشنطن بوست» تقاريرها عن فضيحة ووترجيت، ونشر أوراق البنتاجون عن التاريخ السري لحرب فيتنام، واعتياد الأمة على مشاهدة برنامج مذيع الأخبار على قناة «سي بي إس» والتر كرونكايت، المعروف بأنه الرجل الأكثر مصداقية في أميركا.حتى الرئيس جو بايدن، الذي كان في جنيف لحضور اجتماع قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، انتقد نهج الصحفيين تجاه عملهم.
وقال، تعليقاً على رد فعله الغاضب على مراسلة «سي إن إن»، كايتلان كولينز، والتي ألحت عليه في السؤال حول ما إذا كان هناك سبب لوصف الاجتماع بشكل إيجابي: «لكي تكون مراسلا جيداً، يجب أن تكون سلبياً.. يجب أن تكون لديك نظرة سلبية للحياة، هكذا يبدو لي».
وقد أمضى سلف بايدن فترة رئاسته بأكملها في انتقاد ما أسماه «أخباراً كاذبة»، واصفاً المراسلين بالحثالة أو أعداء الشعب، علاوةً على أنه أهان صحفيين ومؤسسات صحفية بعينها. عندما كان رئيساً، كان دونالد ترامب يحتقر بشكل خاص شبكة «سي إن إن» وصحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست».
فهل يستحق الصحفيون حقاً هذه التقديرات المتدنية والمحبطة؟ من المؤكد أن الصحفية المخضرمة جانيت مالكولم كانت تعتقد ذلك. عندما توفيت مالكولم الأسبوع الماضي، تضمن النعي الخاص بها نقدها المدمر الشهير الذي استهلت بها مقالها في مجلة «نيويوركر» عام 1989، وأصبح كتاباً فيما بعد بعنوان «الصحفي والقاتل».
كتبت: «كل صحفي ليس غبياً جداً أو واثقاً من نفسه لدرجة أنه لا يلاحظ أن ما يجري حوله لا يمكن الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية. إنه موضع ثقة، يستغل غرور الناس أو جهلهم أو وحدتهم، ويكتسب ثقتهم ويخونهم دون وخز للضمير». إنه نقد تم اقتباسه على نطاق واسع لدرجة أنْ تبناه العديدُ من الصحفيين كنوع غريب من جلد الذات. وكتب الصحفي المتخصص في التكنولوجيا ويل أرميوس: «من اللافت للنظر مدى قبول النخبة الصحفية على نطاق واسع لمقولة مالكولم الشهيرة وحتى تبجيلها، والتي على الرغم من قيمتها كتقويم لغرور المهنة، فإنها غير حقيقية بشكل واضح وفي أسوأ الأحوال مدمرة للغاية.
ويعترض أرميوس على استمرارها، رغم اعترافه باستخدامها، خاصة في وقت «ربما يعتقد نصف البلد أننا في الحقيقة كذابون غير أخلاقيين ومحتالون». لكن صحفيَّيْن مشهورَيْن آخرَين توفيَّا مؤخراً عرضَا وجهةَ نظر بديلة وأكثر دقة لمهنتنا. أحدهما هو رون أوسترو، مراسل صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» في واشنطن منذ فترة طويلة والذي فجّر واحدة من أهم قصص ووترجيت، كان يحظى باحترام الجميع. يتذكر المدعي العام ميريك جارلاند نعي أوسترو في صحيفة «التايمز»: «لقد كان قاسياً كصحفي ولطيفاً كشخص». كما نقلت الصحيفة مدح المدعي العام السابق وليام بار وثناء ويليام ويبستر (مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق ووكالة المخابرات المركزية) على الصحفي الراحل: «يمكنك الوثوق به.. إذا تعرض شخص ما للانتقاد من قبل رون، فلأنه يستحق ذلك».هذا هو الحال مع الكثير من المراسلين الذين أعرفهم ولا يزالون يعملون اليوم ويشقون طريقهم في المهنة. ثم كان هناك ديك ستولي، الذي وضع يديه على نسخة من فيلم زابرودر لاغتيال الرئيس جون إف كينيدي عام 1963 لمجلة «لايف». لقد كان هذا سبقاً لعصور، ولم يكن ممكناً إلا من خلال مثابرة «ستولي»، ممزوجةً بحاسته السادسة. وسيكون من السهل القول بأن هذه قصص من الماضي البعيد، وأن ستولي وأسترو يمثلان صفات لم تعد موجودةً. لكن ليس هذا هو الحال.
لن أحرج أياً من زملائي الحاليين أو السابقين بإعداد قائمة هنا، ولكن يمكنني التفكير في العديد منهم، والإشارة أيضاً إلى العديد من الصحفيين الشباب، أو حتى الصحفيين الطلاب الذين يشاركونهم هذه السمات الرائعة: المثابرة والكياسة والقدرة على أن تكون صارماً ومنصفاً.
لا شك أن وسائل الإعلام الأميركية في القرن الـ21 بها بعض العيوب الفظيعة. فهي كثيراً ما تبالغ في الأحداث وتفسح المجال للكاذبين. وخوفاً من التعرض للانتقاد بسبب الانحياز إلى أحد الأطراف، يقع الصحفيون فريسة لإحساس مضلل بالإنصاف لكلا طرفي الصراع السياسي (مثال على ذلك: «يرى بعض المراقبين أن إعادة فرز أصوات أريزونا كمراجعة قانونية، بينما يراه البعض الآخر كمهزلة حزبية». وهو في الواقع هجوم حزبي على الديمقراطية).
وغالباً ما تفشل المؤسسات الإخبارية الرئيسية في مواجهة تحديات تغطية السياسات الصراعية الحالية أو اجتياز الفيضان اللامتناهي من المعلومات المضللة. لذلك من الصعب إعطاء العديد من الدرجات الجيدة، وأنا لا أفعل ذلك. لكن هل الصحفيون سلبيون للغاية؟ هذه ليست المشكلة. لا يتمثل دورنا في تشجيع الأشخاص الذين نغطيهم. وهل تستحق الصحافة الرسمية نسبة تأييد 10% فقط بين «الجمهوريين»؟ بالطبع لا. هناك شكاوى صحيحة حول التحيز، لكن العديد من هؤلاء المستجيبين، كما أراهن، يكرهون اقتحام الواقع. لكن هل يمكننا -وهل يجب علينا -أن نكون أفضل بكثير؟ لا يمكنني المجادلة في ذلك.
-
كاتبة أميركية
-
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»