تمثل اجتماعات مجموعة السبع الكبرى (الاقتصادات السبع الأكبر في العالم) أهمية ليس للدول المنضوية فيها فحسب، وإنما لكافة البلدان، وذلك بحكم هيمنة هذه الدول على مفاصل الاقتصاد العالمي، حيث اتخذت هذه المجموعة في اجتماعها الأخير الذي عقد بمدينة «كورنوال» البريطانية عدداً من القرارات التي ستكون لها تداعيات على مختلف الاقتصادات، حيث سنتطرق لأهم قرارين في هذه المقالة والمقالة القادمة.
القرار الأول يتعلق باتفاق مجموعة السبع على مبادرة البنية التحتية العالمية، وهو مشروع مضاد للمشروع الصيني «الحزام والطريق»، إذ سبق وأن أشرنا إلى أنه لا يتوقع أن تقف الدول الغربية وحلفاؤها مكتوفي الأيدي أمام محاولات الصين للمشاركة في طرق التجارة العالمية من خلال مشروعها العملاق الذي قطعت شوطاً في تنفيذه من خلال إقامة شبكة طرق وتطوير موانئ ومطارات في العديد من بلدان العالم، وبالأخص على مسارات تقاطع طرق التجارة الدولية في أفريقيا وآسيا وصولاً إلى أوروبا والأميركيتين.. مما شكل تحدياً مستقبلياً يتيح للصين التحكم في البنى التحتية العالمية للتجارة. فمثلاً نقل قطار الصين الجديد الممتد إلى أوروبا سلعاً بقيمة 200 مليار دولار خلال العام الماضي.
وفي هذا الصدد انضمت الكثير من الدول للمشروع الصيني، بما في ذلك دول في الاتحاد الأوروبي، مثل إيطاليا التي أعلن رئيس وزرائها ماريو دراغي أثناء قمة السبع بأن بلاده «ستقوم بإعادة تقييم مشاركتها في شبكة البنية التحتية لطريق الحرير الصيني». وفي نفس هذا الاتجاه أعلنت الهند أنها ستدرس مبادرة البنية التحتية العالمية للرئيس الأميركي، كبديل لمبادرة «الحزام والطريق». حالتان تشيران إلى المنافسة القادمة بين المبادرتين، الصينية التي دخلت حيز التنفيذ، والأميركية التي ما تزال في طور التبلور، حيث تملك كل من المبادرتين نقاط قوة وتعاني مكامن ضعف، مما سيؤدي إلى تعمق حدة الصراع ووضع بقية دول العالم في مواقف معقدة لتحديد مواقفها من مبادرتي أقوى اقتصادين لا يوجد مفر من التعامل معهما، مما يعني أن على كل دولة أو مجموعة دول دراسة مدى إمكانية استفادتها من المبادرتين، علماً بأن جميع الدول ستتعرض لضغوط كالتي تعرضت لها إيطاليا في قمة مجموعة السبع.
وباختصار شديد، فإن قوة المشروع الصيني تكمن في الجانب الإداري وفي اعتماد جزء من المبالغ المخصصة لتنفيذه والمقدرة بتريليوني دولار، كما بدأت بعض مشاريعه ترى النور ومن الصعب التراجع عنها للفوائد التي بدأت بعض الدول تجنيها منه، وبالأخص في أفريقيا.. في حين تكمن قوة المشروع الأميركي في قوة الضغط التي تملكها واشنطن لجذب الدول الفاعلة لمشروعها، وكذلك هيمنتها المطلقة على التعاملات المالية الدولية، وتعدد حلفائها، وسيطرتها على المؤسسات المالية العالمية (كصندوق النقد والبنك الدوليين اللذين يتوقع أن يكون لهما دور فاعل في عمليات التنفيذ).
وفي الجانب الآخر، يعتمد جانب كبير من المشروع الصيني على دول نامية لها أوضاعها الخاصة، كمعظم الدول في أفريقيا وآسيا الوسطى، فيما سيعاني المشروع الأميركي من تجاذب القرار بين قوى فاعلة، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا وكندا، وربما الهند والتي ستتفاوت مواقفها حول العديد من القضايا، وبالأخص قضايا التمويل، حيث اقترح الرئيس الأميركي على دول مجموعة السبع تقديم تمويلات بمئات مليارات الدولارات لمواجهة المشروع الصيني.
الدول العربية، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، ستكون بفضل موقعها الجغرافي الذي يتوسط العالم، في بؤرة اهتمام المشروعين، وهو ما يتطلب دراستهما بعمق للاستفادة من الفرص التنموية التي سيتيحانها وتسخيرها لمصلحة التنمية وتطوير مرافق البنى التحتية فيها، والتي تعتبر أحد أهم أسس التنمية في كافة البلدان.