يجب أن تكون حكومة إسرائيل الجديدة لغزاً محيراً لأي شخص يحاول الإشارة إلى أن الدولة اليهودية هي مشروع يحمل في طياته العنصرية.
فالعيساوي فريج هو عربي ومسلم كان يعمل في حركة «السلام الآن»، وهو الآن وزير إسرائيل للتعاون الإقليمي. أما «بنينا تامانو-شطا» فهي امرأة سوداء، أنقذها الإسرائيليون مع آلاف اليهود الإثيوبيين الآخرين من الجوع والاضطهاد عندما كانت طفلة صغيرة. وهي الآن تشغل منصب وزيرة الهجرة والاستيعاب. من المتوقع أن يكون نائب وزير واحد على الأقل، لم يتم الكشف عن اسمه بعد، عضواً في حزب «راعام»، الذي يعد نتاجاً لما يسمى بالجماعة السياسية الإسلامية الرئيسية في إسرائيل.
أما بالنسبة لبنيامين نتنياهو، فقد ترك «الملك بيبي» (كما يطلق عليه) منصبه أخيراً -بشكل فظ، ومرير، ويتسم بالغرور -ولكن تمشياً مع العملية الديمقراطية العادية. وهو يواجه لوائح اتهام في قضايا متعددة. كما أمضى سلفه المباشر في رئاسة الوزراء، إيهود أولمرت، 16 شهراً في السجن بتهم تتعلق بالفساد.
إن حكومة جديدة، حتى لو كانت هشة ومنقسمة مثل حكومة إسرائيل، تكون دائماً فرصة لتصحيح المسار. لكن تصحيح المسار الذي تحتاجه إسرائيل بشدة ليس هو التصحيح الذي يفترضه منتقدوها بشكل عام.
لقد ظل نتنياهو في منصبه لأن الإسرائيليين كانوا يريدون رجلاً يهاجم الفلسطينيين. لقد استمر لأنه كان، من نواح كثيرة، يؤدي عمله من وجهة نظر الإسرائيليين بشكل جيد.
على مدار فترة عمله في هذا المنصب، والتي استمرت 12 عاماً، تضاعف حجم الاقتصاد الإسرائيلي تقريباً. كما أدت اتفاقيات إبراهيم في العام الماضي إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي الشامل، حتى لو ظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دون حل. على الرغم من المعارك الدورية مع «حماس»، لم تكن هناك حروب شاملة. كان الإسرائيليون أكثر أماناً بشكل شخصي خلال سنوات حكم نتنياهو مقارنة بما كانوا عليه في العقد السابق. وكانت حملة التطعيم الإسرائيلية ضد كوفيد -19 موضع حسد من العالم.
وشنت إسرائيل ضد إيران حملة سرية. وفيما يتعلق بالفلسطينيين، تجنب نتنياهو التنازلات الإقليمية التي طالب بها اليسار وإعادة احتلال غزة التي يريدها اليمين المتطرف. وبالنسبة للولايات المتحدة، تحدى نتنياهو باراك أوباما وحصل على ما يريده من دونالد ترامب: نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
ما أراده الإسرائيليون في الانتخابات الأخيرة لم يكن دولة فلسطينية، وهي فكرة جيدة من الناحية النظرية ولكنها (في الوقت الحالي) فكرة رهيبة من الناحية العملية.
ما يريده الإسرائيليون هو شكل أفضل للسياسة، وهو المجال الوحيد الذي فشل فيه نتنياهو بشكل واضح. إنها سياسة متحررة من عاداته التي تتسم بالغوغائية، والإساءة، وعدم الاحترام، والتفاهة المطلقة، وهذا ما أسقطه في نهاية المطاف.
هذا هو وعد الحكومة الجديدة. إنها حكومة يقودها نفتالي بينيت، وهو يميني ومدير سابق لمجلس المستوطنين، وهو أول يهودي أرثوذكسي متدين يتولى رئاسة الوزراء. وقد قدمه يائير لابيد، الصحفي التلفزيوني السابق والوسطي الذي يجسد إسرائيل العلمانية. ووصل إلى السلطة بفضل دعم منصور عباس، زعيم حزب «راعم»، وهو مسلم محافظ دينياً تم منحه ضمناً ختم تأييد لحكومة يعارض سياساتها -خاصة تجاه الفلسطينيين -بالتأكيد. وهي تشمل أعضاء من يمين الليكود ويسار العمل.
من الصعب التفكير في أي حكومة ائتلافية، في أي بلد، تكون متنوعة أيديولوجياً. ومن السهل أيضاً أن نفترض أن لا شيء يربطها ببعضها البعض سوى الاشمئزاز المشترك لنتنياهو، الذي لا يزال زعيم المعارضة. لن يتطلب الأمر الكثير لإسقاط الحكومة الجديدة وإعادته إلى السلطة.
ولكن هناك أيضاً فرصة في الحكومة الجديدة، وهي على ما يبدو تحمل دروساً للديمقراطيات الغربية الأخرى التي تعاني من الحزبية والشلل. كان على جميع أعضاء الائتلاف الجديد تقريباً التضحية بشيء من المبادئ السياسية، والانفصال عن بعض ناخبيهم، ما عرضهم للوصف بأنهم «خونة» لحركاتهم الخاصة من أجل جعل هذا التحالف ممكناً. إنهم مرتدون أيديولوجيون، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في النقاء الأيديولوجي على أنه فضيلة.
كانت الرغبة في التخلي عن قناعة قوية من أجل تسوية براجماتية تعتبر فضيلة في الديمقراطية. وفي إسرائيل يمكن أن تكون «الخيانة الأيديولوجية» أيضاً شكلاً من أشكال الوطنية المدنية. فيما يُفترض أن يكون واحد من أكثر دول العالم الحر انقساماً، وقبلية، وانقساماً داخلياً – حيث يضم اليهود والعرب والعلمانيين والقوميين المتدينين والأرثوذكس المتطرفين والمزراحيين والروس والدروز وما إلى ذلك -تمنح الحكومة الإسرائيلية القومية المدنية دفعة من النشاط.
بريت ستيفنز*
صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»