أثبتت تجربة التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد («كوفيد-19») حاجةَ المجتمع الدولي الماسّة لوجود تعاون حقيقي بنّاء وفعّال على مستوى الكرة الأرضية بأكملها.. وليس إلى مجرد حبر على ورق مطموس في أدراج ومكاتب الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. ولطالما سمعنا عن وجود تعاون مشترك بين الدول في مجال الصحة ومحاربة الأوبئة والأمراض، خصوصاً عندما يلتقي مسؤولو الدول في مؤتمرات ومنتديات عالمية.
وبطبيعة الحال فإن تلك المظاهر ليست إلا حشواً للبيانات الصحفية التي يصدِرها المؤتمرون في تلك المنتديات، إذ حقيقة الوضع هي عدم وجود أي تعاون فعلي من ذلك النوع الذي تقتضيه المصلحة العامة وتتطلبه حقيقة الأوضاع الصحية العالمية. بمعنى أن هناك إعلاناً صحفياً عن لقاءات وزيارات متبادلة بين مسؤولي الدول وعن اجتماعات بعضها يُعنى بالتعاون في مواجهة الأوبئة التي يشهدها العالم، ويتم تدوين ذلك «التعاون» على الورق فعلا، لكن بدلا من العمل بمقتضاه يتم التركيز على جوانبه السياسية والدعائية أكثر من جوانبه الصحية المتصلة بسلامة الإنسان وصحة البشرية.
والحال أن المطلوب اليوم، بناءً على ما واجهه العالم في ظل جائحة كورونا، هو إجراءات سريعة لتجسيد تعاون دولي صحيح وفعال بين دول العالم بأسرها، وذلك لمحاربة الأوبئة والأمراض الجديدة التي تظهر بأسماء وأشكال وأحجام مختلفة في كل يوم، حتى أصبحت تلك الأوبئة والأمراض أكثر من الهم على القلب. والأدهى من ذلك والأخطر أن العديد من الأوبئة والفيروسات تتحور، بما يعني أن الخطر يتكاثر مع أي وباء طارئ أو فيروس جديد، وتلك طامة كبرى في مجال الأمن الصحي العالمي. إن تركيز دول العالم ينبغي أن يتجه الآن وجهة مهمة جداً، ألا وهي بناء عالم صحي وسليم، أي محصَّن ضد أي فيروس قد ينشأ مستقبلا.
ولا ينبغي التهاون في الاستعداد لذلك من قبل الدول والحكومات والمنظمات الدولية. وفي تقديرنا أنه على الأمم المتحدة دعم منظمة الصحة العالمية على نحو أكبر، بعيداً عن التجاذب السياسي الذي شهدناه في بداية أزمة كورونا عندما اتهم البعضُ منظمة الصحة العالمية بالتغاضي عما اعتبروه تأخراً من جانب الصين في الإعلان عن انتشار حالات كورونا، وما تلا ذلك من انسحاب للولايات المتحدة من المنظمة حيث أوقفت واشنطن دعمها المالي، الأمر الذي أدخل العالم في ما يشبه حالة من الفوضى على صعيد سلامة البشرية، حيث أفسدت السياسةُ الصحةَ وهددت العالم بكارثة صحية. إن خطر الأوبئة لا يقل عن خطر تفلت السلاح النووي وانتشاره، كما لا يقل عن خطر الحروب وانتشارها في العالم.. ولا عن خطر الكوارث الطبيعية. فهل يتوقف العالم لحظة للتفكر فيما يواجهه اليوم وفيما سوف يواجهه في قادم أيامه؟!
*كاتب كويتي