ذكرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنها لن تعود مجدداً إلى معاهدة الأجواء المفتوحة التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب، تحت ذريعة انتهاك روسيا للاتفاقية الدولية. ويأتي هذا القرار لإظهار بايدن حزمَه في مواجهة روسيا بعد خطوات عدة تُظهِر انفتاحاً ورجوعاً إلى معاهدات دولية كانت الإدارة الأميركية السابقة قد انسحبت منها.
فمنذ وصوله إلى رئاسة البيت الأبيض، في يناير الماضي، سارع الرئيس «الديمقراطي» بالعودة إلى بعض الاتفاقيات والمؤسسات الدولية، ومنها اتفاقية باريس حول المناخ ومنظمة الصحة العالمية، وكذلك المفاوضات الصعبة لاستئناف الاتفاق حول النووي الإيراني.
ونعلم أن الولايات المتحدة تخلت عن اتفاقية باريس حول المناخ أواخر العام الماضي بناءً على أوامر صادرة حينها من الرئيس دونالد ترامب، والذي أمضى معظم وقته على رأس المنصب في إضعاف العديد من حواجز الحماية البيئية والمناخية في البلاد. لكن الإدارة الحالية ترى أن هذه الاتفاقية هي إطار عمل غير مسبوق للعمل العالمي. والغرض منه بسيط وواسع: مساعدة الجميع على تجنب كوارث احترار كوكب الأرض وبناء المرونة في جميع أنحاء العالم حيال تأثيرات تغير المناخ التي نراها بالفعل. ولذا أضحت التهديدات الناجمة عن تغير المناخ في قلب أولويات السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
كما عادت أميركا إلى منظمة الصحة العالمية، حيث تساهم الآن في الجهود الرامية لتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، ولتطوير أساليب علاجه وتشخيصه حول العالم، كما أنها تقوم الآن بتمويل وتوفير الدعم البشري والوفاء بالالتزامات المالية الخاصة بواشنطن حيال المنظمة الدولية. وللعلم فإن إدارة ترامب السابقة كانت قد اتخذت قرارها بالانسحاب من المنظمة بعد اتهامها بالانحياز للصين. كما دأب ترامب على انتقاد استجابة المنظمة للجائحة التي كانت الولايات المتحدة أكثر المتضررين منها.
وتسعى أميركا حالياً إلى إحياء الاتفاق النووي الذي كان قد أبرمته مع إيران قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة، وانسحبت منه إدارة ترامب في عام 2018.
المهم، أنه لأول مرة يتبنى الرئيس بايدن خط الانسحاب تماشياً مع قرار سلفه، وأعني بذلك الخروج من معاهدة الأجواء المفتوحة.
واتفاقية الأجواء المفتوحة أو السماوات المفتوحة (Treaty on Open Skies) هي معاهدة تم إقرارها عام 1992 في العاصمة الفنلندية هلسنكي، مِن قِبل 27 دولةً، وبدأ العمل بها في أول يناير 2002، وتضم حالياً 34 دولة. وتسمح الاتفاقية بوجود طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف في أجواء الدول الأعضاء، وذلك أساساً بهدف تعزيز التفاهم المتبادل والثقة عن طريق إعطاء جميع الأعضاء دوراً مباشراً في جمع المعلومات عن القوات العسكرية والأنشطة التي تهمها. لكن روسيا قيّدت الرحلات فوق مناطق بعينها، وهو ما جعل واشنطن تعتقد أن موسكو تنشر في هذه المناطق أسلحة نووية متوسطة المدى تهدد أوروبا، ليعلن البيت الأبيض في 22 نوفمبر الماضي أن الولايات المتحدة لم تعد منذ ذلك التاريخ طرفاً في المعاهدة، ثم لتعلن بعد ذلك موسكو، منتصف يناير الماضي، أنها ستنسحب من المعاهدة.
ومع الانسحاب من معاهدة «الأجواء المفتوحة»، تصبح معاهدة «نيو ستارت» الاتفاق الكبير الوحيد في مجال الأمن الذي ما يزال سارياً بين القوتين النوويتين الأميركية والروسية.
وتهدف معاهدة «نيو ستارت» المبرمة في أبريل 2010 بين الرئيسين باراك أوباما وديمتري ميدفيديف، إلى تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية (العابرة للقارات) لدى البلدين بنسبة 30%، والحدود القصوى لآليات الإطلاق بنسبة 50%.
وتوحي بعض التطورات والمواقف بأن أميركا تتبنى أجزاء كبيرة من الإرث الدبلوماسي الأوبامي، خاصة وأن جل الذين تزيد أعمارهم عن خمسين عاماً قد اشتغلوا في إدارة أوباما السابقة، بمن فيهم أنتوني بلينكن، وزير الخارجية المقرّب من بايدن، والذي هو أحد المؤيدين للتعاون متعدد الأطراف في إطار المنظمات الدولية.. وقد انتقد مراراً انعزالية وأحادية إدارة ترامب. كما أن الرئيس بايدن رغم أنه يُبدي حزماً كبيراً حيال روسيا، رداً على أنشطة موسكو التي يعتبرها «مؤذية» (الهجمات الإلكترونية والانتشار العسكري على الحدود الأوكرانية وتوقيف المعارض أليكسي نافالني.. إلخ)، إلا أنه لا مفر في أن يسعى إلى إيجاد أرضية تفاهم حول المسائل المرتبطة بالأمن الدولي.
*أكاديمي مغربي