مؤلفات علي كمال، رغم أكاديميتها، تحدِّث الناسَ مباشرةً عن أنفسهم وعن الآخرين، في أوقات السعادة والتعاسة، في الميلاد والموت. «اللهم بارك لنا وامنع عنا راحة البال»، عبارة علي كمال تلاحقني وأنا أتصفح كتاب «التفكير بسرعة وببطء» الذي نال عنه عالم النفس الإسرائيلي «دانييل كيهنمان» جائزة «نوبل». يلخص «كيهنمان» النفس البشرية في اثنتين، النفس العفوية التي تضع مسودة سريعة لخارطة الأحداث، والنفس البطيئة التفكير التي تستخدم الخارطة لبلورة قناعاتها. مقابل ضحالة تقسيم النفس البشرية المزدوجة، يطرح عالم النفس الفلسطيني علي كمال أسئلة مثل: مَن هو الإنسان الطبيعي؟ ومَن السليم نفسياً؟ ومَن المريض عقلياً؟ وما الحدود الفاصلة بين الجنون والعقل، وبين الجنون والعبقرية؟ وما دور العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في الحالة النفسية والعقلية للفرد؟ وما هي «الشخصية»؟ ولماذا يختلف البشر في شخصياتهم؟ وما معنى أوصاف مثل شخصية انطوائية، ومتقلبة، وشكاكة، وتسلطية، وهستيرية، ومتفجرة، وعاطفية، وخارقة..؟ مقابل تلك الرؤية الخارقة للنفس البشرية، يطرح العالم الإسرائيلي نظرية التوقع أو الإطلالة prospect التي نال عنها «نوبل»، وهي نظرة تصوِّر بمعادلات رياضية عملية اتخاذ الناس القرارات على مرحلتين: المراجعة والتقويم. مقابل هذه النظرية التي تختصر النفس البشرية بحسابات الربح والخسارة، يضيء علي كمال دهاليز النفس البشرية بحكمة ساطعة، فنرى أن «لكل إنسان ثلاث شخصيات: تلك التي يعرفها، وتلك التي هو عليها، وتلك التي يظن بأنها له. علي كمال مظلوم أربع مرات. مظلوم قبل كل شيء لأنه عربي، ومظلوم زيادة لأنه عربي مسلم، ومظلوم من الدرجة الممتازة لأنه فلسطيني، ومظلوم فوق العادة لأنه عاش وعمل معظم سنوات عمره في العراق». قلتُ له ذلك في آخر لقاء معه قبيل وفاته عام 1996 بشهرين، وهتفت به في الساحة التي تحمل لافتة تقول: «بلدية عنبتا ترحب بكم». *مستشار في العلوم والتكنولوجيا