إن أحداث حيّ الشيخ جرّاح، ومنطقة سلوان الملاصقة للأقصى، وحواجز منع الدخول في باب العمود، وكلها مناطق في القدس الشرقية، مضافاً إليها عدّة حوادث أخرى متفرقة في الأرض الفلسطينية، دفعت العديد من دول العالم، من بينها دولة الإمارات، إلى الدخول على خط الأحداث لتهدئة الوضع والمطالبة بخفض التصعيد. إلا أن المواجهات مستمرة، وعلى الأرجح سوف تمتد لفترة أطول، وفقاً للمراقبين. لكن بعيداً عن هذا كله، يُدرج العارفون بالشأن الفلسطيني ما يحدث في سياق «فوضى الخِلافة» التي أثارها قرار الرئيس محمود عباس، تأجيل الانتخابات التشريعية المقررة في 21 مايو الجاري. فهل كان أبو مازن مدركاً لنتائج قراره؟ ولماذا التأجيل؟ ولمصلحة من؟
قرار تأجيل الانتخابات التشريعية، والذي جاء متلفزاً، عزى الرئيس عباس السبب فيه إلى عدم سماح إسرائيل لسكان القدس الشرقية بالمشاركة في الانتخابات. وجاء على لسان محمود العالول، رئيس قائمة «فتح»: إن إجراء انتخابات لا تشمل القدس سيكون خيانة. لكن السؤال هو: هل منعت إسرائيل فعلياً سكان القدس الشرقية من المشاركة في الانتخابات؟ لا دليل على المنع رسمياً، كما لم يجرِ شرح لماذا يجب انتظار الإذن من إسرائيل لإجراء انتخابات في القدس الشرقية؟
لقد دأب قادة «فتح» على تمجيد «النضال الشعبي» بديلاً لشعار «النضال المسلح» بعد «أوسلو». والسؤال الآن: ألا يعدّ إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، كوضع صناديق اقتراع في مؤسسات الأمم المتحدة، والمساجد والكنائس، بما في ذلك المسجد الأقصى، والانتقال من بيت إلى بيت مع صندوق الاقتراع، ووضع صناديق في محافظة القدس، التي لم تُضم إلى إسرائيل، فصلاً باهياً من النضال الشعبي؟ إن عدم استثمار «فتح السلطة» لهذه الفرصة، وهي لا تحتاج إلى إذن رسمي، علامة على عدم إيمانها بهذا النضال واتّباعه. لقد بات معروفاً أن فئة صغيرة ذات مصالح داخل «فتح» هي وحدها من أصبح يقرر ما يجب أن يكون. فكما نشرت صحيفة «هآرتس» للكاتبة «عميرة هس»، فإنه «من المريح جداً لإسرائيل أن السياسية الفلسطينية تتم إدارتها من قبل مجموعة صغيرة من الشخصيات الفتحاوية، التي لها امتيازاتها وأفقها وأفق عائلاتها الاقتصادي، وقد أصبحوا رهائن في أيديها».
ولهذا كان لا بد من تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر أن يخوضها 1400 مرشح، 39 في المئة منهم في عمر الأربعين فما دون. برلمانٌ كهذا كان سيعجّل ويسهِّل، وفقاً للمحللين، ترتيب عملية الخلافة في رام الله.