أصدرت إدارة بايدن للتو نتائج مراجعتها لاستراتيجية كوريا الشمالية، والتي تهدف إلى رسم مسار للمضي قدماً لحل واحدة من أصعب مشاكل الأمن القومي وأكثرها خطورة في العالم. خطة الإدارة تستند في الأساس على انتظار زعيم كوريا الشمالية «كيم جونج أون» لاتخاذ الخطوة الإيجابية التالية، والتي لا يبدو أنها ستحدث في أي وقت قريب. بالنسبة للبعض، يبدو هذا وكأنه عودة إلى سياسة «الصبر الاستراتيجي» في عهد أوباما.
في خطابه إلى الأمة قبل بضعة أيام، قال الرئيس جو بايدن إن كلا من البرنامجين النوويين لكوريا الشمالية وإيران «يمثلان تهديدات خطيرة لأمن أميركا وأمن العالم»، وتعهد بالعمل مع الحلفاء لمعالجة كليهما. لكن في أول 100 يوم لها، كرست إدارة بايدن موارد دبلوماسية ورأس مالية هائلة لإعادة التعامل مع إيران. وفي المقابل، ركزت الدبلوماسية المتعلقة بكوريا الشمالية في الغالب على التشاور مع حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وقد تواصل فريق بايدن بهدوء مع بيونج يانج في فبراير لكنه لم يتلق أي رد. كما أن نظام كيم لم يستجب لمحاولة ثانية من قبل فريق بايدن لنقل نتائج هذه المراجعة المكتملة الآن.
خلصت المراجعة إلى أن سياسة الولايات المتحدة ستتمثل في «السعي للتوصل لاتفاق تدريجي يؤدي إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بشكل كامل» -وبعبارة أخرى، السعي إلى إبرام صفقات صغيرة تدريجية بدلاً من اتفاق شامل أو لا اتفاق على الإطلاق. وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض «جين بساكي» أن نهج بايدن تجاه كوريا الشمالية «لن يركز على تحقيق صفقة كبيرة، ولن يعتمد على الصبر الاستراتيجي».
تبدو الحسابات السياسية لإدارة بايدن منطقية بما فيه الكفاية. وهي تتمثل في التشاور مع الحلفاء، وتحديد أهداف محدودة، وترك الباب مفتوحاً للدبلوماسية، لكن هناك قلقاً بين بعض المسؤولين والخبراء والدبلوماسيين من أنه في غياب أي خطة نشطة لبدء الدبلوماسية، فإن فريق بايدن سينزلق بشكل أساسي إلى نمط مألوف يتمثل في أن يبدو مشغولاً، بينما يؤيد ضمنياً الوضع الراهن.
والانطباع بأن كوريا الشمالية تحتل مرتبة متدنية في قائمة أولويات بايدن تؤكده حقيقة أن البيت الأبيض قرر عدم تعيين -في الوقت الحالي -مسؤولاً مكلفاً على وجه التحديد بهذه القضية. أكد لي مسؤول إداري كبير أنه لا توجد حالياً خطة لملء دور الممثل الخاص لكوريا الشمالية في وزارة الخارجية، والذي كان يشغله نائب وزير الخارجية آنذاك «ستيفن بيجون» حتى يناير. وقال المسؤول إن وزارة الخارجية ستعين مبعوثاً خاصاً لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية، لأن هذا مطلوب بموجب القانون، لكن المسؤول قال إنه حتى يتم إجراء حوار مع بيونج يانج، فلا داعي لتعيين مسؤول رئيسي لمثل هذه المفاوضات.
وأوضح المسؤول: «أعتقد أن حقيقة أننا أكملنا هذه المراجعة، وأننا أصدرناها، وأننا منخرطون في هذا الأمر، يعني أن الأمور تسير على ما يرام».
لا يتفق الجميع على ذلك. أخبرتني «جيني تاون»، الزميلة البارزة في مركز ستيمسون، أن عدم قيام إدارة بايدن بتعيين مسؤول كبير لكوريا الشمالية يضر في الواقع بفرصها في إجراء مفاوضات ناجحة مع بيونج يانج أو إحراز تقدم نحو تحقيق أهداف الولايات المتحدة.
وأوضحت «تاون» أن رد بيونج يانج العدواني والرافض على تعليقات بايدن ينم على أن الكوريين الشماليين لن يعودوا إلى طاولة المفاوضات في غياب بعض الإجراءات أو العروض الجديدة من واشنطن بما يتجاوز مجرد الاستعداد للحديث. أضف إلى ذلك رسالة وزير الخارجية أنطوني بلينكين العامة بأن الولايات المتحدة تنتظر كوريا الشمالية لتقرر ما إذا كانت ستشارك، الأمر الذي قد يصل إلى طريق مسدود.
ومشكلة نهج الانتظار والترقب تكمن في أن الوضع الراهن غير مستدام. تواصل كوريا الشمالية المضي قدماً في برامج أسلحتها النووية وصواريخها البالستية. هذا يعني أن التهديد آخذ في الازدياد. وهذا يعني أيضاً أن شروط أي مفاوضات أو صفقة تزداد سوءا بالنسبة لواشنطن، حيث يجمع كيم المزيد والمزيد من النفوذ.
خيارات الولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية كلها سيئة. وهناك فرصة ضئيلة للعودة إلى سياسة الإدارة السابقة المتمثلة في «الضغط الأقصى»، لأنه لا يوجد إجماع دولي على فرض عقوبات جديدة. قد يتطلب إقناع كيم بالعودة إلى طاولة المفاوضات تنازلات مكلفة سياسياً. حتى لو بدأت المفاوضات، فهذا يعني سنوات من الدبلوماسية الصعبة عالية المخاطر ومنخفضة المكاسب.
* كاتب أميركي متخصص في الشؤؤن الدولية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»