تستوعب «ميمي أونج» أهمية ما أنجزه الفريق الذي تقوده في وكالة الفضاء والطيران الأميركية «ناسا». ففي صباح يوم الاثنين 19 أبريل، استكملت البشرية أول رحلة لطائرة خاضعة للتحكم على كوكب آخر. فقد حلقت طائرة هليكوبتر في حجم علبة للمناديل الورقية، مزودة بلوحة خلايا لتوليد الطاقة من الشمس ومروحيات كبيرة بشكل غير متناسب مع حجم الطائرة، على ارتفاع تسعة أقدام في سماء كوكب المريخ وظلت في الهواء لمدة 39 ثانية، ثم هبطت على سطح الكوكب ثانية.
لكن، هل تستطيع الطائرة الهليكوبتر التي يطلق عليها «إنجنيوتي» الارتفاع 15 قدماً؟ هل تستطيع قطع مسافة نصف ميل تقريباً والهبوط على أرض وعرة؟ وهل يستطيع المسبار الصغير المطيع أن يصبح أسرع؟ وقالت أونج، بينما يومض على وجهها جرأة المغامر بين الكواكب، «يهمني المضي بعيداً حقاً وسريعاً حقاً. بأسرع ما يمكننا».
والحساب والعلوم يمكنهما إخبارنا بالطريقة التي نستطيع التحليق بها فوق المريخ، حيث تعادل كثافة الغلاف الجوي 1% من كثافة نظيره على الأرض. لكن لا شيء يتفوق على الممارسة. وتريد وكالة «ناسا» إرسال طائرة بحجم سيارة وبمراوح رباعية لدراسة برك الميثان على قمر «تيتان» التابع لكوكب زحل خلال العقد الجاري، وطائرة «إنجنيوتي» بمثابة اختبار. ويتوقع أن تمثل الطائرة فرصة لزيارة أماكن لا يستطيع طواف الوصول إليها وتقديم صور واكتشافات غير مسبوقة على الكواكب والأقمار في نظامنا الشمسي.
في 18 فبراير، نجح مسبار«بيرسيفيرانس» التابع لـ«ناسا» أن يغير بشكل جذري الطريقة التي نرى بها الكوكب الأحمر، ومكاننا في الكون خلال مهمته، حيث إنه يبحث عن علامات تدل على وجود حياة سابقة على المريخ. لكنه ليس وحده. فقد كان هناك مسافر متطفل في الرحلة التي يمكن أن تصنع التاريخ بحد ذاتها..
كانت هناك مروحية صغيرة وخفيفة الوزن مربوطة إلى بطن المسبار «بيرسيفيرانس». يعد المبعوث الطائر المسمى «إنجنيوتي» تقنية تجريبية، بالطيران إلى سماء المريخ، ليصبح أول رحلة تنطلق على كوكب آخر. وإذا نجحت الرحلات التجريبية -أو حتى إذا لم تنجح -فقد تفتح «انجنيوتي» إمكانيات جديدة محيرة لكيفية استكشافنا للكوكب الأحمر وأجزاء أخرى من النظام الشمسي في المستقبل.
يقول «دوج آدامز»، مهندس أنظمة الطيران في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز: «تمنحك المروحيات، أو الطائرات العمودية، تلك المرونة لمراقبة المكان الذي قد ترغب في الذهاب إليه للحصول على العلم». قد يبدو إرسال مروحية صغيرة إلى المريخ أيضاً إنجازاً بسيطاً.
لكن هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين المريخ والأرض. المريخ له غلاف جوي يمثل حوالي 1% من حجم كوكب الأرض. هذا يعني أن أي شيء على المريخ يتعرض لضغط أقل بكثير من الضغط على الأرض. وتبلغ الجاذبية على المريخ أيضاً ثلث الجاذبية على الأرض.
قام فريق «إنجنيوتي» بصقل تصميم المروحية هنا على الأرض، وبذلوا قصارى جهدهم لمحاكاة بيئة المريخ في غرف خاصة مضغوطة. لمكافحة مشكلة الجاذبية، أضافوا حبلاً إلى الجزء العلوي من المروحية لتقليل وزنها.
وللتقليل من هذه الاختلافات، تم صنع «إنجينوتي» من مواد خفيفة للغاية، ولكن مع أجزاء دوارة أو متحركة أطول وأكثر صلابة تدور بشكل أسرع مما يحتاجون إليه على الأرض. تزن المروحية الفضائية 4 أرطال، ويبلغ ارتفاعها حوالي 19 بوصة، ويمتد جزءها الدوار حوالي 4 أقدام.
يقول «تيم كانهام»، كبير مهندسي البرمجيات في مختبر الدفع النفاث التابع لـ«ناسا»، والمسؤول عن المهمة الخاصة بـ «انجنيوتي»: «إنك تشعر بثقة تامة في قدرتنا على الطيران». ولكن قد تكون هناك مفاجآت على كوكب المريخ لم تكن موجودة في البيئات المحاكاة.
لمعرفة كيفية التنقل، لا يمكن للمروحية «إنجنيوتي» «مجرد استخدام تطبيق ويزأو جوجل مابس على كوكب المريخ. ليس فقط لأننا لا نملك خرائط طريق للكوكب الأحمر... حتى الآن. فنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يعتمد على شبكة من الأقمار الصناعية موجودة في مدار حول كوكبنا، وهي غير موجودة على المريخ. علاوة على ذلك، للمريخ مجال مغناطيسي ضعيف وغير منتظم. ولكن على الأرض، تعتمد البوصلات على المجال المغناطيسي القوي للكوكب لتوجيه نفسها.
بدلا من ذلك، تستخدم «إنجينيوتي» نظام الملاحة الضوئية. بشكل أساسي، ستلتقط المركبة صوراً لمحيطها أثناء تحليقها لاكتشاف وتحديد الميزات على هذا الكوكب. وستعتمد على تلك الصور لتوجيه نفسها ومعرفة كيفية الوصول إلى المكان الذي تمت برمجتها للذهاب إليه.
هناك عقبة أخرى تواجه المروحية وهي العقبة التي تواجه جميع المركبات الفضائية على المريخ: الطاقة. بينما يمكن للمسبار أن يستريح في ضوء الشمس لشحن بطارياته بالطاقة الشمسية إذا احتاج إلى ذلك، تتطلب المروحية مزيداً من الطاقة الثابتة للحفاظ على جسمها محمولا في الجو. إنه إجراء لتحقيق التوازن مع الوزن.
ستعتمد «إنجينيوتي» على الطاقة الشمسية، حيث إن الخيارات الأخرى ثقيلة للغاية. وستعمل بشكل مستقل، ولكنها ستستخدم المسبار «بيرسيفيرانس» لنقل البيانات وتلقي الأوامر من مركز التحكم في المهمة على الأرض.
ستجري المروحية خمسة اختبارات إذا سارت الأمور على ما يرام. ستختبر الثلاثة الأولى قدراتها الأساسية في الطيران والملاحة، وسيختبر الاختباران الآخران مدى حدود تطوير طائرات الهليكوبتر الفضائية.
تعتبر وكالة ناسا أن هذه اللحظة تشبه لحظة الأخوين رايت. في الواقع، سيكون الطيران على عالم آخر أمراً تاريخياً.
يوافق «كانهام» على أن «إنجينيوتي» هي خطوة صغيرة نحو اتباع نفس مسار التطور للمركبات الجوالة. ويقول: لم يقم أحد مطلقاً بقيادة طائرة عمودية خارج الغلاف الجوي للأرض، ناهيك عن المريخ.
سيراقب مهندسو ناسا الآخرون عن كثب، بينما تبدأ «إنجينيوتي» في تدوير أجزائها الدوارة عبر هواء المريخ. ويعد دكتور آدمز من جامعة جونز هوبكنز واحداً منهم. وهو مهندس أنظمة المركبات الفضائية في مركبة «دراجون فلاي» التابعة لناسا إلى سطح قمر «تيتان»، أحد أقمار زحل. ستكون «دراجون فلاي» التي يجري تطويرها حالياً من أجل إطلاق متوقع في عام 2027، مهمة لإرسال مركبة هبوط آلية متحركة ذات مروحيات لدراسة الظروف التي ربما تكون قد ظهرت فيها الحياة لأول مرة.
هناك بعض أوجه الشبه بين تيتان والمريخ -أي المجالات المغناطيسية الضعيفة -ولكن هناك أيضاً اختلافات. تيتان، على سبيل المثال، لديه غلاف جوي أكثر كثافة من المريخ. ستحتاج دراجون فلاي أيضاً إلى أن تكون أكبر بكثير من المروحية «إنجينيوتي» لحمل جميع الأدوات العلمية اللازمة، حيث لن يكون مسبار «تيتان» اختباراً تقنياً. ومع ذلك، يقول الدكتور آدامز إن نجاح (أو حتى فشل) طائرة هليكوبتر مستقلة في عالم آخر سيساعد «دراجون فلاي» في مهمتها المنتظرة.
على المريخ، قد تعني الرحلات التجريبية الناجحة أن المروحيات ستصبح جزءاً مهماً من مجموعة أدوات الاستكشاف، حيث ستضيف نظرة شاملة إلى فهمنا للكوكب، ويمكن أن تكون بمثابة مستطلع للمركبات الفضائية -أو حتى البشر، يوما ما. وربما تمكننا تكنولوجيا طائرات الهليكوبتر الفضائية، مثل المركبات الفضائية من قبلها، من اكتشاف شيء يغير الطريقة التي نرى بها كوننا.
مارك سابنفيلد: صحفي أميركي
إيفا بوتكين-كواكي: صحفية متخصصة في العلوم والبيئة والتكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»