يوم 15 أبريل الجاري، قَتل مراهقٌ أبيض في التاسعة عشرة من عمره، اسمه براندون هول، ثمانية أشخاص وجرح أربعة آخرين في منشأة تابعة لشركة «فيديكس» في إنديانابوليس بولاية إنديانا، قبل أن يقتل نفسه. وقبل ذلك بنحو عام، وبفضل معلومة من والدته، أُوقِف الشاب من قبل الشرطة. فقد كان بحوزته مسدس وكانت والدته تخشى أن يَقْدم على الانتحار. أُسقطت القضية، لكن الشرطة تحفَّظت على مسدسه. وبعد عام على ذلك، اشترى بندقيتين هجوميتين بشكل قانوني واستخدمهما في المجزرة التي ارتكبها داخل منشأة «فيديكس».
ولو كان هذا الحدث حالة قتل جماعي معزولة لكن صادماً، لكن الحقيقة أنه لم يكن سوى واحد من عدة أعمال إطلاق نار تحدث كل يوم تقريباً في أميركا. ومعظمها يتعلق بأعداد أصغر، حيث يُقتل ثلاثة أشخاص أو أربعة، وتكون في كثير من الأحيان نتيجة خلافات أسرية أو أعمال قتل انتقامية لها علاقة بالعصابات. وعادةً ما لا تَحظى باهتمام وطني نظراً لأن حدوثها بات جد شائعاً ومعتاداً لدرجة أنها كادت تصبح جزءاً من الحياة اليومية في أميركا المعاصرة.
معضلة إطلاق النار الفظيعة في أميركا ما فتئت تزداد سوءاً وليس هناك شيء ليفعله الكونجرس من أجل معالجة هذه الأزمة. والواقع أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية من الأميركيين، بمن فيهم مالكو الأسلحة، يؤيدون عمليات تحقق أكثر صرامة من خلفيات الأشخاص الذين يريدون اقتناء سلاح، وقيوداً على بعض أنواع الأسلحة التي يمكن أن تُباع. غير أن هذا الرأي لا يشاطره إياهم معظم «الجمهوريين» وبعض «الديمقراطيين» في الكونجرس ممن ما زالوا تحت سطوة لوبي الأسلحة الذي يواصل الدفع بأن القيود على تملك الأسلحة تمثّل انتهاكاً للحقوق التي ينص عليها التعديل الثاني للدستور وأن المشكلة ليست الأسلحة، وإنما الأشخاص المختلين عقلياً الذين يحتاجون للمساعدة الطبية.
الرئيس جو بايدن وصف عملية إطلاق النار الجماعي الأخيرة بأنها «مصدر حرج وطني يجب أن ينتهي». وإذا كانت هناك بعض الأحكام التنفيذية التي يستطيع إصدارها لتقوية بعض القوانين المتعلقة بالأسلحة، فإنه لا يمكن فعل أي شيء ذي بال من دون قوانين جديدة يعتمدها الكونجرس. وبدون قوانين جديدة وقابلة للتطبيق تتعلق بالسيطرة على الأسلحة، فإن أعمال القتل ستتواصل. وهذه الأخيرة ازدادت وتفاقمت أصلاً مع الوباء وازدياد احتجاجات الشوارع التي اندلعت عقب مقتل جورج فلويد في 25 مايو 2020. فهذان الحدثان أديَا إلى ارتفاع في الإقبال على شراء الأسلحة من قبل المواطنين العاديين الذين باتوا يشعرون بحاجة أكبر إلى حماية أنفسهم، مما يرفع العدد الهائل أصلاً من الأسلحة في أميركا، والذي يقدّر بأكثر من 390 مليون قطعة سلاح، أي أكثر من إجمالي عدد السكان البالغ 328 مليون نسمة والذي يشمل الأطفال والأشخاص المسنّين.
وإذا كان نفوذ لوبي الأسلحة، وخاصة «الجمعية الوطنية للبندقية»، ربما تراجع خلال السنوات الأخيرة في ظل الفضائح الداخلية التي عصفت به على خلفية قضايا تتعلق بالمال، فإن السياسيين الجمهوريين ما زالوا مصرين على أن لدى كل أميركي، ليس فقط الحق في امتلاك أسلحة، بما في ذلك البنادق الهجومية، ولكن أيضاً في حملها علانية في أكثر الأماكن عمومية. وعلى الجانب الآخر، يحاجج معارضو هذه القوانين المتراخية بأن شراء سلاح رشاش ينبغي ألا يكون أسهل من الحصول على رخصة قيادة سيارة.
والواقع أن أميركا ليست أكثر البلدان عنفاً في ما يتعلق بالوفيات المرتبطة بالأسلحة النارية. فهي تحتل المرتبة 32 في العالم بـ3,96 وفاة لكل 100 ألف شخص. لكن هذا الرقم أعلى بثماني مرات من الرقم المسجل في كندا المجاورة، وأعلى بمئة مرة من نظره في المملكة المتحدة. وفي قائمة البلدان عالية الدخل، تُعد الولايات المتحدة الأكثر عنفاً. وإذا أُحصيت كل الوفيات الناتجة عن أسلحة نارية في الولايات المتحدة، بما في ذلك عمليات الانتحارات، فهناك أكثر من 40 ألف حالة سنوياً، ما يعني أكثر من 100 وفاة كل يوم.
ولا شك في أن الأمر سيتطلب تحولاً ثقافياً كبيراً من أجل تشديد قوانين الأسلحة الأميركية، بما في ذلك بذل جهود أكبر لجعل الأميركيين واعين بمدى عنف المجتمع مقارنةً مع ديمقراطيات أخرى وبلدان متقدمة أخرى. والأمل هو أن يدرك جيل جديد من الشباب المستنير هذه الأرقام والإحصائيات المهولة ويتمكنوا في الأخير من التأثير في رأي الكونجرس تماماً مثلما بدؤوا ينجحون في إقناعه بمخاطر تغير المناخ وبضرورة أخذها على محمل الجد.