ونحن نعيش نفحات الأسبوع الثاني من رمضان، أتمنى أن نتذكر أننا كصائمين نرسل من حيث ندري أو لا رسائل لمن حولنا ممن لا يصوم لسبب أو لآخر. وقبل الخوض في هذه الرسائل اسمحوا لي أن أشارككم هذه القصة الواقعية كما رواها لي أحد الأخوة الكرام. قال لي مع بداية الأسبوع الأول من رمضان: تفاجأت باتصال من مديري غير المسلم يبارك لي برمضان، ويعرض عليّ بعض الخيارات غير المتوقعة: الاقتراح الأول من المدير السماح لي بالتأخر في الحضور أو الاستعجال في مغادرة مقر العمل يومياً. الاقتراح الثاني السماح لي بأخذ راحة أو قيلولة في المكتب في منتصف النهار. استغرب ذلك المدير عندما شكرته وقلت له إنني لست بحاجة إلى هذه المعاملة الخاصة في رمضان، فقال لي لم إن غيرك من المسلمين سيفرح بهذه القرارات، فكثير منكم يسهر الليل ويأتي مرهقاً إلى عمله، فقال له صاحبي لسنا جميعاً كذلك، فأنا محافظ على جدول نومي في المساء وأمارس الرياضة يومياً وأنا صائم، لأنني أنظر إلى شهر رمضان على أنه فرصة للتزكية وتدريب النفس على تحمل الكثير من ضغوطات الحياة دون تأفف أو ملل. شكرت صاحبي على وجهة نظره وسألته عن سبب عدم قبوله لأفكار مديره، فقال لي مبتسماً أولاً لا أريد أن يأخذ عني مديري فكرة غير جيدة مما قد يؤثر على تقاريري السنوية. وثانياً لم أرد أن أشوه صورة الإسلام عنده أكثر مما هي عليه.
هل نرسل نحن الصائمون رسائل سلبية عن ديننا وصيامنا لغيرنا؟ سؤال يعرف الكثير منكم الإجابة عنه، لكن اسمحوا لي أن أشارككم بعض هذه الرسائل التي تصل إلى غيرنا والإسلام بريء منها. أول هذه الرسائل أننا كصائمين من حقنا أن نفقد أعصابنا، ونتلفظ بكلمات لا تليق وحجتنا أننا صائمون. الرسالة الثانية هي العبوس في وجه كل من نلقاه، لأننا مرهقون بسبب صيامنا. الثالثة أننا نميل إلى الكسل والدعة، لأننا قلبنا النهار ليلاً والليل نهاراً. الرابعة لا تطلب مني إنجاز العمل بصورة رائعة وأنا صائم وإنْ كان العمل حساساً، أرجو تأخيره إلى ما بعد رمضان. الإسراف في إعداد موائد رمضان وهدر الكثير من الطعام بعد ذلك، بينما من حولنا بشر لا يكادون يجدون قوت يومهم، والقائمة تطول في سردها.
أين نحن من قول الرسول عليه الصلاة والسلام «الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكم صائماً فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ». أو حديث «من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ». صورة الإسلام التي شوهتها الجماعات الإرهابية في العالم، ليست بحاجة إلى مزيد من الممارسات السلبية التي تؤكد لدى غير المسلمين الصورة النمطية عن هذا الدين العظيم. لم يُشرّع رمضان كي يكون حجة لنا في التقصير والتبرير، رمضان شرع للتقوى وتزكية النفوس كي ترقى في مدارج السالكين إلى رب العالمين.
* أكاديمي إماراتي