تحتفل المملكة الأردنية الهاشمية هذا العام بمرور مائة عام على تأسيسها، حيث خرجت إلى الوجود في عام 1921 للميلاد تحت مسمى إمارة شرق الأردن، ثم تم تغيير اسمها إلى المسمى الذي تحمله الآن، وبهذه المناسبة نتقدم إلى جلالة الملك عبدالله بن الحسين، حفظه الله، وإلى الحكومة الأردنية الرشيدة وإلى شعب الأردن الشقيق «النشامى» بخالص التهاني القلبية والأمنيات الطيبة، وبمزيد من الرفاهية والاستقرار والطمأنينة، والسير قدماً إلى مستقبل مشرق مليء بالإنجازات ومظاهر التنمية الخلاقة.
والحقيقة أن الأردن وشعبه الأبي قد تحملوا الكثير من الأعباء والمعاناة في خدمة قضايا الأمة العربية منذ تأسيس المملكة، وهم لا يزالون يتحملون المزيد منها إلى يومنا هذا.
فمنذ بداية خمسينيات القرن الماضي، وتحديداً عام 1951 والأردن يعاني تبعات وتقلبات السياسة، داخلياً وخارجياً، ومن شح الموارد والتقلبات الاقتصادية، ومن أعداء خارجيين يحيطون به، ومن تدفق اللاجئين إليه من دول جواره العربي بدءاً بعام 1948 مروراً بأعوام 1967 و1973 و2003، وانتهاءً بعام 2011 إلى وقتنا لحاضر.
ولكن رغم كل تلك المصاعب والتقلبات والأحوال، وبطريقة أو بأخرى، كان قادراً طوال الوقت أن يقف في وجه جميع تلك الصعوبات، وأن يقدم التضحيات الواحدة منها تلو الأخرى، وأن يتجمع كأسرة مالكة، وكحكومة وشعب، وأن يلتئم إلى بعضه بعضاً، وأن يلتف حول مليكه بطرق مشهودة جداً يحتار أمامها الجميع، الصديق قبل العدو، لأنها أردنية الطابع، وتخص الأردنيين وحدهم، وهيهات أن يفهمها الآخرون، وإنْ كانوا يقبعون خلف حدودهم مع الأردن.
إن السؤال الذي أود أن أطرحه اليوم هو «أين هو الأردن اليوم بعد أن مرت على مسيرته المباركة مائة عام بالتمام والكمال؟». والحقيقة أن الإجابة الكاملة على هذا السؤال طويلة لكي تتحملها مقالة قصيرة من قبيل هذه التي بين أيدينا، وأعتقد بأنها تتطلب شيئاً من الخلفية التاريخية لكي نتمكن من تسليط الضوء على الحاضر.
والحقيقة أنني زرت الأردن عدة مرات في مهمات رسمية عندما كنت أعمل في سلك دولة الإمارات الدبلوماسي، لكن ما سأورده هنا هو عبارة عن انطباعات شخصية غير رسمية. ما أود قوله أن الأردن بلد آمن ينعم بالاستقرار رغم ما لا حظته من استقواء للإخوان المسلمين قبل أن يتم منعهم من ممارسة النشاط السياسي في السنوات الأخيرة بعد أن اتضح بأنهم كانوا يشكلون خطراً داهماً على الدولة والمجتمع.
لكن رغم ذلك، فإن الملك ومستشاريه يتعاملون مع هذه الظاهرة بحكمة. أنصار هذه التيارات مدعومون من الخارج، ويتم تحريكهم من الخارج أيضاً ضمن مؤامرات تحاك ضد الأردن وغيره من الدول العربية التي اختارت لنفسها الاعتدال والوسطية.
ومما لاحظته على صعد الاقتصاد والمجتمع والبنية التحتية أن الأردن يسير بخطى ثابتة على كافة المستويات المتعلقة بها، فاقتصادياً تتجلى التنمية في مشاريع ضخمة في مجال التنمية الزراعية التي يُعوّل الأردن عليها كثيراً رغم ندرة المياه لديه، مثال ذلك مشروع غور الأردن، الذي استصلحت فيه أراضي زراعية شاسعة.
أما على الصعيد الاجتماعي، فقد تقدم الأردن كثيراً في هذا الجانب، فالخدمات الاجتماعية تم توسيعها كثيراً على صعد التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ووجود النقابات العمالية والجمعيات التي تخدم أفراد المجتمع، كالزراع والحرفيين والمعلمين والأطباء والمهندسين.
وعلى جانب البنية التحتية تشهد البلاد تقدماً ملحوظاً في المطارات والموانئ ووسائل المواصلات العامة والخاصة، وشق الطرق ووسائل الاتصال والإعلام وخدمات الإنترنيت.
وهذه جميعها مشاريع مكلفة جداً، مقارنة بميزانية الدولة التي تبقى محدودة وتعتمد على مصادر تمويل أهمها الضرائب العامة.
والمهم في الأمر أن المملكة الأردنية الهاشمية في مئويتها الأولى تحقق إنجازات مهمة وملحوظة، وتنتهج سياسة خارجية معتدلة تحقق المصالح العليا للبلاد وتنتهج خطاً وسطياً محموداً بقيادة جلالة الملك عبدالله بن الحسين، حفظه الله.
فهنيئاً للأردنيين بمئويتهم، ونبارك لهم ذلك بأفئدتنا وعقولنا، متمنين للأردن حاضراً جميلاً ومستقبلاً باهراً.