اقترح الرئيس جو بايدن على الكونجرس التجديد الأكثر جذرية للاقتصاد الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية. إذ من المرتقب أن ترسل «خطة الوظائف الأميركية» إلى الكونجرس بكلفة مقترحة تتجاوز تريليوني دولار، وأن ينصب تركيزها على إعادة إنشاء البنية التحتية البالية والمتهالكة للبلاد، وعلى الاستثمار في جهود غير مسبوقة لتغيير ظروف العمل والفرص التعليمية بالنسبة للمواطنين الأميركيين الفقراء. ومن المتوقع أن تموّل الخطة عن طريق زيادات في الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء أصحاب الأموال الذين يشكلون 1% من الأميركيين.
لكن، هل يمكن لهذه الخطة أن تصبح قانوناً في ظل الانقسامات الانقسامات الحزبية الحادة في المجتمع الأميركي والفارق الضيق للأصوات الذي يمتلكه «الديمقراطيون» في مجلسي الكونجرس؟ وهل هناك فرص للتوافق بين الحزبين الرئيسيين؟
المشاكل التي تواجه الكونجرس تتمحور حول تعريف «البنية التحتية» والطريقة الفضلى لإدخال إصلاحات ضرورية على منظومة الخدمات الأساسية الأميركية التي أصبحت مصنّفةً في المرتبة الثالثة عشرة على مستوى العالم من حيث حداثتها. والواقع أنه لو كانت الخطة تركز على الإصلاحات في الطرق والجسور والموانئ والمطارات ونظام الشبكة الكهربائية بشكل رئيسي، لكان هناك قدر كبير من التأييد لها من كلا الحزبين نظراً إلى أن كل الولايات الأميركية، سواء أكانت خاضعة لسيطرة الديمقراطيين أم لسيطرة الجمهوريين، تعاني حالياً من قِدَم مرافقها العمومية وتهالكها، إذ يفوق عمر كثير منها السبعين عاماً.
غير أنه يصبح من الصعب أكثر تصور توافق حول هذا الموضوع، عندما يتم تضمين القائمة أشياء من قبيل الوصول إلى خدمة الإنترنت ذات النطاق العريض، وإصلاح شامل لأنظمة تزويد المدن والبلدات بالمياه العذبة، وخطوط جديدة للسكك الحديدية، وزيادات كبيرة في الدعم الحكومي للبحث والتطوير. ثم تصبح الحجج أكثر إثارة للانقسام عندما يتعلق الأمر بمقترحات ذات تداعيات واسعة، مثل الاستثمار في المساكن والمصانع والمباني المكتبية التي تتصف بقدر عال من الكفاءة والفعالية، ورعاية صحية وتعليم أحسن بالنسبة للفقراء الأميركيين.
والحق أنه من الممكن فهم لماذا أثارت لغة مخطط بايدن حفيظة حتى أولئك الجمهوريين المؤيدين لتشريع محدود بخصوص البنية التحتية. ذلك أن بايدن يريد «تقوية البنية التحتية لاقتصاد الرعاية الوطني عبر خلق الوظائف وزيادة الأجور بالنسبة لعمال الرعاية المنزلية الأساسيين». ويدعو إلى خلق «وظائف ذات جودة عالية تدفع أجوراً مهمة في أماكن عمل صحية وآمنة، مع الحرص على توافر العمال على اختيار حر ونزيه في تنظيم أنفسهم، والانضمام إلى نقابة، والتفاوض بشكل جماعي مع المشغِّلين». والحال أن هذه التمنيات تتجاوز التوقعات العامة لما ينبغي أن يتضمّنه مشروع قانون خاص بالبنية التحتية. فهي تمثّل السياسات التي تدافع عنها العناصر التقدمية داخل الحزب الديمقراطي، والتي لعبت دوراً أساسياً في الفوز الذي حققه بايدن على دونالد ترامب. غير أنها لا تعكس آراء المشرعين الديمقراطيين المعتدلين المؤثرين، الذين من المتوقع أن يلعبوا دوراً أساسياً في مرور أي تشريع في الكونجرس.
وربما سيتعين على بايدن أن يزيل بعضاً من العناصر الأكثر تركيزاً على الجوانب الاجتماعية من «خطة الوظائف الأميركية»، إن كان يرغب في فرصة لتحويلها إلى قانون. غير أنه يتعرض لضغط كبير من التقدميين من أجل الدفع في اتجاه إصلاحات ذات تأثير واسع، نظراً لأنه من غير المرجح أن تكون هناك فرصة أخرى للقيام بذلك في هذا الكونجرس، وخاصة في وقت لم يعد تفصلنا فيه عن الانتخابات النصفية سوى 18 شهراً. والتاريخ يشير إلى أن الحزب الذي يوجد في السلطة في البيت الأبيض عادة ما يخسر مقاعد في ولايته الأولى.
والواقع أن أهم المقترحات الأساسية في الخطة تحظى بتأييد واسع في البلاد، ومن ذلك هدف تحسين قدرة أميركا على المنافسة في التجارة العالمية، وخاصة ضد التحدي الذي تطرحه الصين. وسيتعين على بايدن أن يقرر ما هي التنازلات التي هو مستعد لتقديمها من أجل تمرير تشريع هذا العام يفضي إلى وظائف جيدة جديدة.
وعلى أقل تقدير، سيتعين على بايدن التأكد من أنه يحظى بدعم كل أعضاء حزبه في الكونجرس، من أجل تمرير مبادرة أصغر ولكنها تظل تاريخية مع ذلك. وقد يتعلق الأمر في نهاية المطاف بجدل حول كيفية تمويل الخطة وكم من المال سيأتي من زيادة الضرائب على الأغنياء الأميركيين.