خبر وكالة «رويترز»، الذي كشف أنه ما إنْ لبثت السفينة الجانحة في قناة السويس تتحرك من موقعها حتى جاءت رياح عاتية أعادت سفينة الحاويات العملاقة إلى وضعها الطبيعي، والذي نفته هيئة قناة السويس في مصر، تدعونا إلى التفكير في قضية تدفق الأنباء وسيطرة دول الشمال على الثقافة الإعلامية، وهو أشبه ما يكون باستعمار ثقافي وإعلامي. فقد أثار خبر وكالة «رويترز» غضب الكثير من المتابعين العرب للحدث، وعلّق الكثير من المغردين، فالبعض ذكر أن هذه سقطة إعلامية، والبعض الآخر ذكر أن هذا خطأ متعمد لأنها ليست المرة الأولى التي تبث فيها وسائل الإعلام الغربية أخباراً مزيفة عن المنطقة. لكن أكثر ما أثار غضب المغردين هو تناقل بعض وسائل الإعلام العربية الخبر من دون تدقيق وكأنها مجرد تابع لوكالات الأنباء الغربية. 
من يتابع وسائل الإعلام الغربية يدرك على الفور أن أغلبها تناقلت خبر حادثة سفينة «إيفر جيفن» في قناة السويس بسلبية مبالغ بها، تجعل القارئ يظن أن السفينة قد تبقى عالقة لمدة طويلة، مما يعطي انطباعاً بعدم أهلية الدولة لحل الأزمة، وكذلك يعطي شعوراً باليأس والإحباط وعدم الثقة. فمثلاً ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن أزمة قناة السويس لن تختفي ما بين ليلة وضحاها، وكتبت تحت عنوان «شركة الإنقاذ تقول إن تطهير قناة السويس قد يستغرق أسابيع»، كما أكدت الصحيفة أن قناة السويس قد تظل مغلقة لأسابيع بسبب فشل محاولات إعادة تعويم السفينة. 
هذا السرد السلبي وغير الموضوعي للأنباء المتعلقة بدول الجنوب باستمرار، جعل الكثير من النقاد يحللون سيطرة دول الشمال على تدفق الأنباء، والتي أثيرت في حملة قادتها دول الجنوب في اليونسكو في السبعينيات والثمانينيات، لكن انتهت هذه النقاشات دون جدوى. وقد وضح الدكتور سليمان سالم صالح في كتابه، «وسائل الإعلام والدبلوماسية العامة»، أن اعتماد وسائل الإعلام المكثف في دول الجنوب على وكالات الأنباء العالمية في استقاء الأخبار يُحول وسائل الإعلام الجنوبية إلى أدوات لترويج الصور المشوهة لهذه الدول، والتي تم صنعها في الغرب، والتي دائماً ما تصف الصراع بين دول الشمال والجنوب على أنه صراع بين التقدم والتخلف. 
استقلال النظام الإعلامي العالمي عن سيطرة دول الشمال يُحتّم على دول الجنوب تطوير وكالاتهم للأنباء، وتشجيع التعاون في ما بينهم. حتى الآن وكالات الأنباء في الدول الجنوبية لم تستطع أن تشكل مصدراً بديلاً لوكالات الأنباء العالمية، كما على دول الجنوب أن تدرك أن المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة واليونسكو، لم تعد صالحة لإدارة الحوار والمناقشة حول إصلاح النظام الإعلامي العالمي، لذلك لا بد أن تقوم دول الجنوب بفتح المجال لهذه المناقشة التي يجب أن تقوم على البحث العلمي وتطوير التعاون في مجال تبادل الأخبار والمعلومات.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي