انطلق الحوار الأمني غير الرسمي المعروف باسم «المنتدى الأمني الرباعي» ليضم الهند وأستراليا واليابان والولايات المتحدة. وتكونت فكرة المنتدى عام 2007 خلال اجتماع للدول الأربع. لكن حينذاك، لم يُعقد المنتدى في غمرة القلق من احتمال النظر إليه باعتباره تكتلاً لمناهضة الصين بشكل مباشر. وانسحبت أستراليا منه عام 2008، بعد أن أدت مناورة بحرية مشتركة بين الرباعي وسنغافورة إلى احتجاجات دبلوماسية من الصين.
لكن في الآونة الأخيرة تقاربت السبل بالدول الأربع وتلاقت. ومن الواضح أن هناك مزايا في الالتقاء حول تحقيق السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. واكتسبت فكرة المنتدى الرباعي بعض الزخم عقب قرار الهند والولايات المتحدة والدولتين الأخريين تصنيع مليار جرعة مضادة لـ«كوفيد-19» لصالح جنوب شرق آسيا، في إطار حوار الأمن الرباعي. ودبلوماسية اللقاح هذه دشنتها كل دول الرباعي، وتعتبر أبرز الإجراءات وأكثرها قدرة محتملة على التأثير في حياة الناس مباشرة. إنها تبرز القوة الناعمة للمجموعة في الوقت الذي توسع فيه نطاق قائمة أولوياتها.
وتحدث في اجتماع قمة الرباعي الأولى، المنعقدة مؤخراً، الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بالإضافة إلى زعماء البلدين الآخرين. ومبادرة اللقاح تعزز فيما يبدو نفوذ كل دولة. وتعمل الولايات المتحدة من خلال «شركة تمويل التنمية الدولية الأميركية» مع شركة إنتاج اللقاح الهندية «بايولوجيكال إ. ليمتد» لإقامة قوة إنتاجية إضافية في الهند لتصنيع اللقاح، بغية الاستفادة من المهارات المعرفية والتصنيعية لدى الهند كونها أكبر منتج للقاحات في العالم.
وتُجري اليابان، من خلال «وكالة التعاون الدولي اليابانية»، مناقشات لتقديم قروض ميسرة لدعم الإنتاج الدوائي الهندي. وستشارك أستراليا بمبلغ 77 مليار دولار لتوفير اللقاحات ودعم عمليات النقل والتخزين، مع التركيز على جنوب شرق آسيا. وهذا يتضمن منح أموال للدول التي تحصل على لقاحات، لتستخدمها في تمويل سلاسل التبريد والتدريب وغيرها. ويأتي هذا المسعى في وقت توسع فيه الصين بجرأة دبلوماسيتها للقاح، خاصة في دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي القمة الرباعية، دعا رئيس وزراء الهند إلى قائمة أولويات إيجابية حتى لا يُنظر إلى المنتدى باعتباره جزءاً من تكتل يناهض الصين بشكل صريح. وبالتأكيد ستساعد قرارات المجموعة الدول الأخرى في الهندي والهادئ على تحقيق السلام والاستقرار والرفاهية. وقد أكد رئيس الوزراء الهندي بالفعل على أنه من خلال هذه المبادرات و«قيمنا الديمقراطية الواحدة والتزامنا بجعل منطقة الهندي والهادئ حرة ومفتوحة واحتوائية، سيصبح أعضاء إطار عمل الرباعية أكثر تقارباً مما مضى». وأضاف مودي أن الرباعية «عمود مهم للاستقرار في المنطقة».
ومبادرة اللقاح مهمة بشكل خاص لأنها تأتي في وقت الافتقار إلى توزيع متساو للقاحات. ويُنظر حالياً إلى الدول الأغنى على أنها استحوذت على سوق اللقاحات، بينما لا تجد الدول الفقيرة ومنخفضة الدخل شيئاً. ومبادرة اللقاح قد تصحح جانباً من عدم المساواة تلك في توزيع اللقاحات. ولفتت الهند حتى الآن الانتباه الدولي بدبلوماسيتها في اللقاح. فالهند تصدّر أو تتبرع إلى 71 دولة، منها في آسيا وأفريقيا، وفقاً لبيانات من وزارة الشؤون الخارجية الهندية. ويأتي هذا رغم حاجتها الداخلية الهائلة التي يجري الوفاء بها أيضاً مع العمل على قدم وساق من أجل إعطاء اللقاح لأفراد السكان الأكبر سناً في الوقت الحالي. ولا ينافس الهند في دبلوماسية اللقاح إلا الصين التي تبرعت وتتبرع بلقاحات لـ69 دول نامية وتصدّر إلى أكثر من 43 دولة حول العالم.
وهذا يوضح بجلاء أن القارة الآسيوية تتقدم الصفوف لتنقذ العالم إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية إنتاج وإرسال اللقاحات إلى الدول الأخرى. وركزت القمة الرباعية التي عُقدت عبر الإنترنت على التعاون في عدد من المجالات الأخرى. ووافقت الدول الأربع على العمل معاً في مسعى التصدي لتغير المناخ والتكنولوجيات الناشئة. وتشكل عدد من جماعات العمل المشتركة للتعاون في التكنولوجيات المهمة وفي مجال التصدي لتغير المناخ. ووافقت دول الرباعي أيضاً على ضمان تقليص الانبعاثات بناءً على اتفاقية باريس، وأيضاً على التعاون فيما بينها في سلسلة إمداد التكنولوجيا وشبكات الجيل الخامس والتكنولوجيا الحيوية. ولا شك أن الرباعي يمثل فكرة قد تدعم السلام والاستقرار في المنطقة. ومن ذلك يتضح أن المنتدى قد يصبح مجموعة مهمة ربما تتجاوز نطاق الأهداف الضيقة، لتحقيق مصالح أكبر للمنطقة والعالم.