تبحث العديد من الدول عن خطط بديلة في سياق السعي لتنويع مصادر دخلها، غير معتمدة على قطاع أو قطاعين، وإن كانا الأبرز والأنجح في سياساتها الاقتصادية خلال مراحل سابقة. وفي هذا السياق، تظهر تجربة صناديق الثروة السيادية، وهي صناديق تؤسسها الدول من أموال فائضة لديها وتقوم بتحييد موجوداتها عن الاستخدامات والنفقات الجارية، حافِظةً تلك الأموال للأجيال القادمة كي يتم استخدامها في الأوقات الصعبة، مثل الضوائق المالية وأزمات الكساد الاقتصادي. ومن الممكن وصف هذه الصناديق باعتبارها كيانات تدير فوائض الدول من أجل الاستثمار في قطاعات مربحة مثل الأسهم والسندات.
وقد استطاعت هذه الصناديق الاستحواذ ضمن القطاع المالي وحده على حصص في مؤسسات عالمية عملاقة، لذلك نراها اليوم وقد أصبحت منتشرةً في العالم، منطلقةً من منطقة الخليج العربي، حيث يعود تأسيس أول صندوق سيادي في العالم إلى عام 1953 حين أنشأت دولة الكويت صندوقها السيادي تحت اسم «الهيئة العامة للاستثمار الكويتية»، ومن بعدها تتابع تأسيس الصناديق السيادية للعديد من الدول في العالم، حيث تعتبر عائدات النفط والسلع الكمالية المصدر الأساسي لأموال أكبر الصناديق الاستثمارية السيادية عالمياً.
ويتمثل الطموح الأساسي لصناديق الثروة السيادية في جمع المدخرات الوطنية طويلة الأجل لمصلحة الأجيال المقبلة، وذلك بتنويع الاستثمارات على الصعيدين المحلي والخارجي، وفي مختلف القطاعات التي تحقق مزيداً من الأرباح والقوة الاقتصادية. وبحسب تحليل حديث صادر عن موقع «إنترناشيونال بوليسي دايجست»، فإنه «منذ ولادة صندوق الثروة السيادية الكويتي عام 1953 وإلى يومنا هذا، شهد العالم ميلاد 91 صندوق ثروة سيادية، بأصول إجمالية تزيد على 8.2 تريليون دولار».
ورغم ما يقال من أن دولاً مثل فنزويلا وتشيلي وليبيا تفتقر إلى الشفافية في إدارة صناديقها، وحول احتمال قيام الدول الكبرى المالكة للصناديق بممارسة نفوذها السياسي للإمساك بمفاصل القرار الاقتصادي في الدول المستهدفة.. فقد بات للصناديق السيادية دور إيجابي في كثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وقد ظهر دورها المهم في إنقاذ النظام المالي الدولي بعد الأزمة العالمية لعام 2008 حين ضخت هذه الصناديق عشرات المليارات في المؤسسات العالمية التي كانت تواجه خطر الإفلاس، فحققت للبلدان المالكة أرباحاً ملحوظة.
ويشبه الصندوق السيادي أي صندوق استثمار عادي، لكنه بدلاً من أن يدير أموال أفراد أو جهات خاصة، نجده يدير أموال دول مقدِّماً لها عوائد كبيرة ومساهماً في تنويع مصادر دخلها. وإذا كانت دولة ما تعتمد في دخلها بصورة كبيرة على قطاع السياحة مثلاً، فإن الصندوق السيادي يسمح لها بالاستثمار في مجالات أخرى ليقيها خطر الأزمات الاقتصادية التي قد تترتب على انهيار القطاع السياحي لأي سبب كان. لذا، تنبع أهمية الصناديق السيادية من تنويعها الاستثمارات بالنسبة للاقتصادات التي تعتمد على قطاع أو قطاعين أساسيين، وبما يزيد الدخل المحلي الإجمالي عن طريق استثمارات آمنة أو قليلة الخطورة. كما أنها تحفظ الأموال من أجل تلافي تقلبات السوق والتدخل في حالة الأزمات المالية، وذلك لصالح الأجيال القادمة وضمان حقها في الثروات التي تتمتع بها الأجيال الحالية. وأخيراً فإن الصناديق السيادية تساعد على دمج الاقتصادات الوطنية في المنظومة العالمية عبر تعزيز الاستثمار المتبادل.