جورباتشوف، الذي بلغ التسعين عاماً للتو، غيّر العالم مثلما لم يفعل سوى قلة قليلة من رجال السياسة؛ وقد غيّره للأحسن. ولكن التاريخ لم يُنصفه للأسف.
فعندما وصل جورباتشوف إلى السلطة، كان يريد تغيير الاتحاد السوفييتي، ولكن أيضاً تغيير علاقات الاتحاد السوفييتي مع العالم الغربي. ولم يكن يريد نهاية الحرب الباردة «الجديدة» بين الاتحاد السوفييتي والبلدان الغربية فحسب، أو العودة إلى سياسة الانفراج فقط، وإنما خلق تعاون حقيقي، انفراج بين الشرق والغرب. فدافع عن العمل الدولي متعدد الأطراف في عالم غير معوْلَم كان أسوءُ خطر يتهدده هو خطر حرب نووية، ولكن أيضاً خطر التحديات البيئية، التي سيكون واحداً من أوائل الزعماء الذين سيضعونها على أجنداتهم السياسية. وحصيلة إنجازاته مهمة وتشمل: نهاية احتلال أفغانستان، وتوقيع اتفاق حول «الصواريخ الأوروبية» قضى بشكل كلي على فئة من الأسلحة النووية، والاتفاق حول نزع الأسلحة التقليدية، ولكن أيضاً حقيقة أن كل بلد من بلدان الشرق يمكنه سلك طريقه الخاص. لقد انتهت عقيدة بريجنيف، وبدأت عقيدة سيناترا «طريقي». ولم يعد الاتحاد السوفييتي يفرض سياسته بالقوة، وهو ما أظهرته على الخصوص إعادةُ توحيد ألمانيا التي قبل بها جورباتشوف في وقت كان لا يزال فيه 500 ألف جندي سوفييتي موجودين في ألمانيا الشرقية. 
عندما وصل إلى السلطة، شكّك كثيرون فيه، وأكّد كلُّ صقور ذاك العهد – والذين ما زالوا موجودين اليوم – أنه «لا ينبغي الوثوق في جورباتشوف». ولكن لحسن الحظ وثق فيه «كول» و«ميتيران»، بل وحتى ريجان وتاتشر، وذلك نظراً لأنه في نهاية المطاف أنهى الحربَ الباردة بطريقة سلمية. كما أننا كثيراً ما ننسى الإشارة إلى لحظة مهمة جداً من سياسة الـ«بيريسترويكا» التي اتبعها جورباتشوف: ففي أغسطس 1990، ندّد جورباتشوف بغزو العراق للكويت. ولأول مرة، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في نوفمبر 1990، القرار 678 الذي نص على استخدام القوة ضد بلد خرق القانون الدولي بشكل خطير. ولأول مرة، لم يستخدم عضو دائم في مجلس الأمن الدولي «فيتو» من أجل حماية حليف له، وتصرف المجلس كما كان ينبغي له أن يفعل، وفق محرري ميثاق المنظمة، وهو ما كان الانقسامُ بين الشرق والغرب يحول دون تحقيقه حتى ذاك التاريخ. فتصرّف مثل قوة شرطة دولية تخوض حرباً خدمة للقانون، وليس خدمة للقوة. ولو أُعطيت الأممُ المتحدة السلطةَ حقاً، في هذا النظام الدولي الجديد، وطُبق انفراجٌ بين القوى الكبرى حقاً – وهو ما كان يتمناه محررو الميثاق – فيمكن القول إن جزءاً كبيراً من النزاعات التي نعرفها اليوم ما كانت ستوجد بالطريقة نفسها. 
وعندما ذهب جورباتشوف إلى قمة مجموعة السبعة في يوليو 1991 من أجل طلب مساعدة اقتصادية، رُفض طلبه. كان كول وميتيران لا يريان مانعاً في منحها إياه، على غرار تاتشر التي كان قد خلفها «جون مايجر» للتو. ولكن في نهاية المطاف، رفض بوش الأب تقديم هذا الدعم المالي لموسكو لأنه كان يفضل رؤية «إلتسين» في السلطة؛ لأنه كان يُعتقد أنه سيكون أكثر طواعية إزاء الغربيين. كما أنه كان ينظر إلى انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل إيجابي. 
إنها لحظة مهمة للغاية: بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في أغسطس 1991، غادر جورباتشوف السلطة وخلفه يلتسين عبر إسقاط الاتحاد السوفييتي. وحينها عاشت الولايات المتحدة «لحظة» أحادية القطبية قرابة عشر سنوات. 
ولكن بوتين الذي وصل إلى السلطة تذكّر الوعود التي قدّمها الغربيون لجورباتشوف والتي لم يفوا بها. وهو أحد أسباب علاقته المتشنجة مع الغرب. فالغربيون فضّلوا المراهنة على شريك ضعيف ولكنهم أخطأوا. ذلك أن جورباتشوف كان شريكاً يمكن الاعتماد عليه، وقد أثبت ذلك دائماً ولكن الغرب خانه. 
الروس، وبوتين واحد منهم، يؤاخذون على جورباتشوف ذلك، بل إن شي جينبينغ يرى أن جورباتشوف مثّل كارثة لأنه أدى إلى انهيار النظام الشيوعي. والرسالة التي بُعث بها حينها هي أن زعيماً كان يسعى للتوافق ويرغب في إقامة شراكة حقيقية مع الغربيين، تعرض للخيانة وتم التخلي عنه. وبالطبع، هناك أسباب أخرى لسقوط الاتحاد السوفييتي، فالنظام كان أصلاً أكثر ضعفاً وشيخوخة من أن يتم إصلاحه، ولكن الحقيقة مع ذلك هي أن الغربيين خذلوا غورباتشوف. 
في الجزء الأخير من القرن العشرين، هناك رجلان أثّرا في تاريخ العالم بشكل كبير: مانديلا وجورباتشوف. وإذا كان مانديلاً يحظى بالتقدير والاحترام من قبل الجميع، فإن جورباتشوف لم ينل نصيبه العادل من الاعتراف. والحال أن مساهمته في السلام كانت أهم من مساهمة الزعيم الجنوب أفريقي السابق: ذلك أنه وضع حداً لنظام غير عادل ولانقسام العالم. غير أنه من انقسام العالم ذاك لم يولد النظامُ العالمي الجديد، الذي بشّرت به الولاياتُ المتحدة في الوقت نفسه الذي فعلت فيه كل شيء حتى لا يرى النور.
مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس