مرةً أخرى تطفو من جديد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، رحمه الله، حيث استغلت بعض الجهات القضية.
ورغم أن القضية تتعلق بجريمة مدانة بكل المقاييس، وقد عوقب عليها الفاعلون حسب أنظمة وقوانين القضاء السعودي الذي أدان الجريمة بتفاصيلها، بعد أن أوضح حيثياتها بكل شفافية ودقة، وكانت أحكامه النهائية فيها إغلاقاً للملف وطياً لصفحته دون رجعة، خاصة بعد أن تمت التسوية وتفهّم أهل القتيل وذووه الذين رحبوا وأيدوا الإجراءات الشرعية والقانونية حول الحادثة ورضوا تماماً بعدالة القضاء السعودي، الذي اقتص من الجناة وعاقبهم.
لكن الغريب والمستغرب في الأمر هذه الأيام أن الإدارة الأميركية تحاول إعادة إثارة هذه القضية في وسائل الإعلام مرة ثانية، دون أي سبب واضح يبرر هذه الزوبعة وإثارتها بهذا الشكل المفتعل وغير المقنع. هذا علماً بأن القتيل ليس أميركياً، ولم يُقتَل على أرض أميركية!
لكن يبدو أن هذه القضية أصبحت «قميص عثمان» أو فزّاعةً تستخدمها الإدارة الأميركية كلما مرت بأزمة داخلية، فنجدها تطرق هذا الباب المقفل، مكرِّرةً ذات الأسطوانة المشروخة والصياغات الممجوجة، والتي لا تخفى أهدافها ونواياها على أحد، خاصة من يريد قراءة الأحداث وتفسير الأزمة وتداعياتها وخفاياها وتوقيتها!
وإذا كانت الإدارة الأميركية حريصة كل الحرص على حياة الإنسان وحقوقه وحريته ومستقبله، في أي مكان من المعمورة، وتتبنى مظلومية أي إنسان يتعرض للقتل أو الاعتقال أو التعذيب أو التغييب، في أي نقطة من هذا العالم، وتدافع عنه بشراسة.. فهذا موقف إيجابي وتصرف إنساني مطلوب ورائع جداً من دولة عظمى مثل الولايات المتحدة.. لكن أليس عليها أن تحاكم مَن تسبب في مقتل 750 مفكراً وعالماً عراقياً إبان غزوها للعراق واحتلالها له عام 2003، دون أي غطاء دولي شرعي، وتدميره وتمزيقه وتهجير شعبه واعتقال قيادته وقتلها، حيث كان عدد المهجرين والنازحين والمغيبين والمفقودين والمعتقلين والقتلى من أبناء العراق بالملايين؟!
على هذه الدولة أن تحاسب مَن قاموا بقصف وتدمير ملجأ العامرية المدني في بغداد بمن فيه من الرجال والنساء والأطفال والمرضى وكبار السن، وأن لا تنسى فضيحة سجون أبو غريب التي صدمت الضمير العالمي وكشفت المستور بسبب ما أظهرته من أهوال التعذيب والتنكيل بالمعتقلين العراقيين من الرجال والنساء، وذلك بشهادة الجنود الأميركيين أنفسهم!
وهذا فضلاً عن تهريب الأموال من البنوك العراقية وسرقة الآثار والمخطوطات ونفائس الكتب النادرة.. وقبل هذا وبعده تفكيك الدولة العراقية وتفتيتها والسماح للأحزاب الدينية المتطرفة والميليشيات الطائفية المسلحة التي لا زالت تقتل وتهجّر وتعتقل بلا رحمة ولا رأفة ودون عقاب أو حساب! كانت القوات الغازية مشغولة بفتح الملفات القديمة بغية إثارة الفتن والقلاقل من أجل الابتزاز السياسي لدول المنطقة والتلويح بمعاقبتها وإرباكها. وكلما أتت إدارة أميركية حاولت قلب الموازين وإثارة ضجة مفتعلة في المنطقة سعياً لإشغالها بنفسها.. ومع هذا نجد مَن يقول إنها دولة مؤسسات لا يخضع القرار فيها لآراء وأمزجة الرؤساء المتعاقبين!