فوراً هاجم رجال دينٍ مقترح قانون في مصر مقدمٌ من الحكومة إلى البرلمان، يتضمن عقوبة الحبس أو الغرامة بحق مَن يتزوج بأخرى دون إعلام زوجته رسمياً. وقد وجّه أحد هؤلاء، وهو أستاذ فقه في جامعة الأزهر، ستة عشر مطعناً في المقترح، كأنه «جاب الذيب من ذيله».
فأولاً: «لا عقوبة على حق، والتعدد حق أصيل للرجال»، والحال أن المقترح لا يمس هذا الحق، ولا يقيد التعدد بموافقة الزوجة، وإنما يفرض جزاءً على مَن يتزوج بأخرى ولا يُعلم زوجته، وهذا العلم مِن أبسط حقوقها.
ثانياً: «المقترح مخالف للشريعة»، لكن الأستاذ لم يبين وجه المخالفة، ذلك أن أحكام الشريعة فيما يتعلق بالعلاقات بين الأفراد تنقسم إلى قسمين، أحكام مستفادة من النص دون بحث، كتحريم الأمهات والبنات والأخوات استناداً إلى آية قرآنية، وأحكام مستفادة من النص القرآني أو النبوي بحسب ما فهم الفقيه، ولا حصر لاختلافات الفقهاء في اجتهاداتهم والمسماة في مجموعها «الشريعة».
ثالثاً: «سيُحكم بعدم دستورية القانون، لأن الدستور ينص على أن الشريعة هي مصدر التشريع»، وهذا قول غير دقيق، ذلك أنه لا يُحكم بعدم دستورية أي قانون استناداً إلى مخالفته لأحكام الشريعة إلا إذا اصطدم بها وخالفها، كأن تقول الشريعة «يمين»، ويقول القانون «بل شمال»، والشريعة لم تتعرض لمسألة عدم إعلام الزوجة بزواج زوجها، وتقرير العقاب لمن يخالف هذا الأمر لا يخالف أحكامها، بل هذا العلم فيه معاني الصدق والوضوح والمعاشرة بالمعروف التي تحث عليها الشريعة.
كما حاول أستاذ الفقه شحن العواطف الدينية حين شغّل الأسطوانة المعهودة، من قبيل أن «الإسلام مستهدفٌ»، وأنه «لا تجوز مخالفة التشريع الإسلامي لإرضاء الغرب»، و«لا علمنة الأحوال الشخصية»، و«لا تمييع الدين بدعوى تطوير الخطاب الديني»! وحرص كذلك على تأليب الرجال بأن طعن على المقترح بأنه «يُفسد الأسرة»، وبأن «الزوج لم يرتكب جريمة من منظور الشريعة»، وأن «استخدام التفاهم والود –مع مَن لا يُعلم زوجته بأمر زواجه بأخرى– أولى من عقابه»!
ولعل أعجب اعتراضات أستاذ الفقه أن الزوجة تعلم أنه مباحٌ لزوجها التزوج من ثانية وثالثة ورابعة، ومن ثم فهي لا تتعرض للخديعة إذا تزوج عليها زوجُها دون إخبارها، إلا إذا كانت ترفض دين الإسلام! وهذه مساومة فجة للزوجة، بتخييرها بين القبول بأحكام الإسلام ورضاها بعدم علمها بزواج زوجها من أخرى، كأنها تخلع ربقة الإسلام من عنقها لمجرد أنّ لها حقاً في معرفة الحياة الموازية لشريكها في الحياة، وأنه بات لديها شريكة في حياته تملك الحقوق نفسها التي لها عليه.
والقضية ليست شأناً مصرياً خالصاً، إذ قوانين الأحوال الشخصية العربية متشابهة لأنها مستقاة من المنابع ذاتها، والتعديل في أحدها بما لا يصادم أحكام الشريعة، من شأنه تحسين القوانين العربية فيما يتعلق بالأسرة. ففيما عدا القانون التونسي الذي يحظر التعدد ويعاقب عليه، فالتعدد مسموح به في بقية القوانين العربية، بعضها من دون إذن أو قيد أو شرط أو إخطار، وبعضها الآخر تبيحه بإذن المحكمة وتوجب إخطار الزوجة به، والمقترح المصري أضاف الجزاء على مخالفة مسألة الإخطار، لا أكثر ولا أقل.
*كاتب إماراتي