كل الأحداث تشير إلى أن عصر الاعتماد على واشنطن انتهى، وذلك لعدة أسباب أهمها الانقسامات بين الحزبين خاصة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية تجعل منها حليفاً غير موثوق به. فهناك غياب الاتفاق بين الحزبين بشأن المواضيع الأمنية المهمة في الشرق الأوسط، مثل الاختلاف عن كيفية إدارة الملف النووي الإيراني، الاختلاف ما بين الحزبين في تصنيف الجماعات الإسلاموية بالإرهاب مثل «الإخوان» وجماعة «الحوثيين»، هذا عدا تسييس ملف حقوق الإنسان، واستغلال المعارضة التي تدعو للفوضى والإطاحة بأنظمة الحكم في الدول العربية بالكتابة في صحف أميركية والظهور في الإعلام المرئي بحجة الدفاع عن الحريات، بغض النظر عن الخلفيات الأيديولوجية للمعارضة. وبالتالي يجب وضع حد لسياسة الاستقطاب السياسي والإعلامي الأميركي الذي ينعكس سلباً على المنطقة.
هذا الاختلاف الصارخ بين الحزبين ظهر بشكل جلي بالانتقال من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن بمقدار 180 درجة، وكأنهما حزبان من دولتين مختلفتين لا تمت صلة ببعضهما البعض. فنجد أن إدارة بايدن تقوم بعكس ما قامت به إدارة ترامب في كل شيء حتى في معاملة حلفاء أميركا، وهذا النهج ظهر واضحاً في مقال رأي نشرته بوليتيكو بتاريخ 22 فبراير، لخص من يطلقون على أنفسهم خبراء في الشرق الأوسط تستعين بهم إدارة بايدن – «آرون ميلر»، موظف سابق في وزارة الخارجية، وريتشارد سوكولسكي، زميل كبير في مؤسسة كارنيجي للسلام – وجهة نظرهم. فقد وضح المقال، الذي يحمل عنوان «كيف سينهي بايدن معاملة ترامب السُكّر زيادة لإسرائيل والسعودية» أن «الغرور الكبير، الذي يقود هذين الحليفين الأميركيين، يتعرض لسلسلة من الضربات التي كانت المكالمة الهاتفية المتأخرة مجرد البداية».
ومع فريق السياسة الخارجية لبايدن المؤلف بالكامل تقريباً من خريجي إدارة أوباما، يبدو الرئيس الأميركي مصمماً على إحياء اتفاق أوباما النووي الكارثي مع إيران. الإدارة الأميركية مصممة على تجاهل المخاوف المشروعة لأصدقائها المقربين في المنطقة. فريق «بايدن» غير مبال بالنصائح حول حماقة العودة إلى الاتفاق، مما يترك النظام الثوري حراً لاستئناف سعيه النووي، بينما لا يفعل شيئاً حيال برنامجه الصاروخي غير القانوني ودعمه للميليشيات. فهذا الفريق يريد استبدال «الضغوط القصوى» التي شنتها إدارة ترامب بـ «الدبلوماسية القصوى»، لكن إلى الآن لا نعلم ماهية هذه الدبلوماسية التي ستتعامل مع نظام مؤدلج ثيوقراطي يشن حروباً بالوكالة في جميع أرجاء المنطقة.
المشكلة في إدارة بايدن أنها لم تستوعب التغييرات الإقليمية التي حدثت في عهد ترامب خاصة الاتفاقيات الإبراهيمية، وأن ما كانت ترضخ له الدول الحليفة في السابق على مضض لن تتقبله الآن، مما يعني انتهاء الاعتماد الكامل على واشنطن. فالاتفاق بين دول السلام الإبراهيمي سيؤدي إلى تقارب دول أخرى لم تكن ضمن هذا الاتفاق لإنشاء تحالف أمني دفاعي مشترك يحمي مصالحها ويكبح التهديدات التي تواجه أمنها الوطني.
* باحثة سعودية في الإعلام السياسي.