عندما كنت أكتب هذا المقال، وصل السجال حول محاكمة مجلس الشيوخ للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مرحلة ساخنة. فقد اتهم مجلس النواب السيد ترامب في 13 يناير بالتحريض على العصيان العنيف الذي وقع في السادس من يناير مما أدى إلى اقتحام مجموعة من الغوغاء مقر الكونجرس الأميركي وارتكاب أعمال قتل وتخريب. وأقدم الغوغاء على فعلتهم في مسعى لمنع إقرار فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية 2020. وكان قرار إدانة الرئيس السابق في التهم المنسوبة إليه بيد مجلس الشيوخ، لكن جاء القرار بعدم إدانة ترامب بتهمة «التحريض على العصيان» التي وجهت إليه بعد حادث اقتحام مبنى الكابيتول.
واليوم الأول من الجلسات خُصص للحجج التي دفع بها محامو ترامب بأن المحاكمة نفسها ليست دستورية بعد ترك ترامب السلطة. لكن المحاكمة استمرت بعد موافقة 56 عضوا في مقابل معارضة 44 عضواً بمجلس الشيوخ على دستورية الإجراء. وفي اليومين الثاني والثالث، قدم نواب «ديمقراطيون» حججهم في اتهام ترامب وتضمنت الحجج صوراً صادمة للاقتحام العنيف لمقر الكونجرس ومقتطفات من خطب ترامب وتغريداته على «تويتر» التي جادل «ديمقرطيون» بأنها حرضت المحتجين على التوجه إلى مقر الكونجرس من أجل «منع سرقة» الانتخابات. لقد كانت المقاطع المصورة تذكرة مروعة للعنف الشديد لذاك اليوم. ومثلت المقتطفات من خطب ترامب تذكرة بالتحريض الذي مارسه الرئيس السابق.
واختتم «الديمقراطيون» حجتهم بالقول إن ترامب، أثناء فترة ولايته، تودد إلى المتشددين من أقصى اليمين وحاباهم. وبعد انتخابات 2020 وقبلها، استخدم ترامب خطبه وتغريداته لحشد هؤلاء المتشددين. وفي الأيام السابقة على السادس من يناير، حرض ترامب أنصاره على التوافد إلى واشنطن من أجل «منع السرقة». ولم يحرك ترامب ساكناً حين تحدثت مواقع التواصل الاجتماعي عن احتمال نشوب أعمال عنف نتيجة تصريحاته. وأخيراً، في يوم السادس من يناير، حتى بعد أن أصبح من الواضح أن مقر الكونجرس قد جرى انتهاكه، جاء تحرك ترامب متأخراً ومتردداً في دعوة أنصاره إلى الانسحاب من مقر الكونجرس مخبراً إياهم بحبه لهم ومشيداً بوطنيتهم.
وفي اليوم الرابع من جلسات مجلس الشيوخ -وهو يوم كتابة هذا المقال- بدأ محامو ترامب دفاعهم. وتمثل الدفاع في أربع نقاط وهي أن الاتهام لا يستند إلا على كراهية «الديمقراطيين» الراسخة لدونالد ترامب؛ وأن قضية «الديمقراطيين» اعتمدت على أدلة مضللة تم فيها اقتطاع كلمات ترامب من سياقها في الخطب لتعطي انطباعاً زائفاً بنواياه؛ وأن «الديمقراطيين» استخدموا معايير مزدوجة لأن أعضاء حزبهم استخدموا لغة تهييجية مثل التي استخدمها ترامب؛ وأن استخدام كلمات ترامب يمثل انتهاكاً لحقه في حرية التعبير.
كانت الإدانة تتطلب موافقة ثلثي مجلس الشيوخ (67 صوتاً) عليها. وهذا لم يحدث، فمن غير المتوقع وجود 17 عضواً «جمهورياً» ينضمون إلى 50 عضواً «ديمقراطياً» في تأكيد الاتهامات ضد ترامب. لكن هذا لا يعني أن الجهد ذهب هباء لثلاثة أسباب. فقد كان من المهم أن يُستدعى ترامب ليتحمل مسؤولية سلوكه وكلماته. فالمحاسبة أساسية للديمقراطية. وإذا ضرب الكونجرس صفحا ببساطة عما حدث في السادس من يناير وعن الكلمات التي قالها ترامب قبل العصيان وأثناءه، فمثل هذا العنف سيتكرر. وكان أفضل ضمان بالتأكيد لعدم تكرر هذا هو أن يدين الكونجرس السيد ترامب. صحيح أن هذا لم يحدث، فلم يُدن الكونجرس ترامب، لكن إجراءات المحاكمة تسجل موقفاً وتنقل رسالة.
ومن المهم أيضاً أن الكلمات والأفعال، قبل وأثناء السادس من يناير، مسجلة الآن ومحفوظة ومتاح الإطلاع عليها للأجيال القادمة. فلا نسيان ولا إعادة كتابة للتاريخ. فالعنف والهتافات الذميمة والتهديدات بالموت وخطاب السيد ترامب التحريضي لن يُنسى ولن يجري تقديمه بطريقة تخالف الواقع.
وأود أن أشير هنا إلى أنه بينما كانت تجري جلسات المحاكمة، تحدثت أنا وابنتي عن الشعور المريح الذي تشيعه متابعة الجلسات دون خوف من الاستيقاظ كل صباح على وابل من التغريدات الكريهة من السيد ترامب. ومن المنعش أيضاً أن تغيب عواصف ترامب على تويتر بعد حجب حسابه.
مازال هناك عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ «الجمهوريين» يخشون ما يطلقون عليه «قاعدة ترامب»، بصرف النظر عن مدى إفحام الحجج ضده ورغم حجب صوت ترامب حالياً من مواقع التواصل الاجتماعي. ومع اعتقاد ثلثي «الجمهوريين» بأن ترامب فاز في انتخابات نوفمبر، يخشى المسؤولون الأميركيون المنتخبون معارضة هذه القاعدة.
وحتى أعضاء مجلس الشيوخ الذين خاضوا السباق الرئاسي ضد ترامب عام 2016، مثل ليندسي جراهام وتيد كروز وماركو روبيو، ووصفوه بأنه تهديد للحزب «الجمهوري»، تقاعسوا عن إعلان إدانتهم لترامب حتى الآن مخافة انتقام أنصار ترامب. إنهم يعلمون أنه يمثل مشكلة لكنهم ما زالوا يخشونه. صحيح أنه لم تتم إدانة ترامب، لكن الإجراءات تاريخية وسيجري تذكرها للعبها دوراً مهماً في الحفاظ على ديمقراطيتنا.