لا تخفى على أحد الأهمية الاستثنائية لقطاع الاتصالات التي ظهرت على نحو خاص في ظل التداعيات التي فرضتها على العالم جائحة «كوفيد-19»، حيث كانت الأشهر الماضية فرصة لإثبات قدرة التكنولوجيات الرقمية، ضمن هذا القطاع، على دفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال ربطها العالم ببعضه وتسهيلها لبيئات العمل والتعليم الافتراضية. وبالفعل، وفّر قطاع الاتصالات زخماً للتحول الرقمي استطاعت معه الحكومات والشركات تأمين خدماتها المبتكرة وتطبيقاتها الرائدة، وبما سمح لكثير من النشاطات البشرية بالاستمرار على الرغم من الظروف الصعبة كافة. ومثّل استخدام الإنترنت وغيرها من تقنيات المعلومات والاتصالات فُرصاً غير مسبوقة في تسريع الاتجاهات الناشئة عززت الاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وهي أهداف تقع ضمن الموضوعات الرئيسة في الأجندة العالمية 2030 للتنمية المستدامة. ويذكر أن هذه الأجندة تمثّل دعوة عالمية وضعتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2015، واعتمدها قادة العالم الذين من أبرزهم القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وتسعى إلى بذل كافة الجهود الممكنة للنهوض بالمستقبل الجماعي للبشرية عبر تحقيق الاستدامة في مختلف مجالات الحياة. وتترابط أهداف التنمية المستدامة ببعضها بعضاً، ما يعني أن النجاح في تحقيق النمو ضمن هدف بعينه يؤدي بالضرورة إلى تحقيق نجاحات ومستويات من النمو في الأهداف الأخرى. ولذلك يُنظَر إلى قطاع الاتصالات كوسيلة تمكين في تسريع التقدم للأهداف جميعها في مجالات التعليم والرعاية الصحية والاقتصاد والزراعة والطاقة وغيرها، والمساهمة بالتالي في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة على نطاق وسرعة وتكلفة لم يكن بالإمكان تحقيقها من قبل.
ويوفّر قطاع الاتصالات الشمول المالي للكثير من الأفراد عبر تمكينهم من الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية من أي مكان وفي أي وقت. ويعزِّز القطاع كذلك قدرة الشركات من خلال إتاحة قنوات مبتكرة لخدماتها ومنتجاتها تسهم حتى أثناء الظروف الصعبة في استمرارية بيئات الأعمال، خصوصاً للصغيرة منها والناشئة. وليس خافيّاً أيضاً ما يقدمه قطاع الاتصالات من فوائد جمة لنظم الرعاية الصحية، حيث كان لخدماته دور كبير في حصول الأفراد على المعلومات الصحية وأساليب الحماية من فيروس كورونا، وتمكين الجهات المختصة من تنسيق جهودها وحملاتها لمواجهة تداعيات هذا الفيروس. وساهم القطاع أيضاً في استمرار العملية التعليمية، بل وتجاوز عدداً من المعوقات التي كانت تحدّ من أداء بيئات التعلم التقليدية. وسمحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في وصول الطلبة، حتى من هم في المناطق النائية، إلى موارد وفرص للتعلم لم يكن من الممكن إتاحتها لهم دون الاعتماد على هذه التقنيات الحديثة، وهذا أمر بالغ الأهمية حيث تمثل جودة التعليم نواة النمو الاقتصادي طويل الأجل. وبالتالي، يشكل قطاع الاتصالات حجر أساس بيئات التعليم المستقبلية، بما يقدمه من فرص نوعية لكل فئات الطلبة وعلى اختلاف إمكانياتهم. على صعيد آخر، ساعدت حلول قطاع الاتصالات في التوجه نحو منتجات وخدمات أكثر سلامة من الناحية البيئية، وتسريع نمو الشبكات والمباني والمدن الذكية، من خلال الخدمات المبتكرة في قطاعات النقل والصحة والتصنيع والزراعة وغيرها، العاملة على تقليل الفاقد من الطاقة وكميات الاستهلاك والنفايات الناتجة كالانبعاثات الكربونية، وهو ما يسهم بدوره في تحقيق التوازن بين استمرارية التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة في الوقت نفسه.
ويمثِّل قطاع الاتصالات العمود الفقري لغالبية التقنيات الحديثة في عالم اليوم، كالحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتصنيع الذكي والواقع الافتراضي وغيرها، وللقطاع كذلك دور محوري في تلبية الحاجات المتزايدة على البيانات الكبيرة التي تعد بمنزلة نفط المستقبل. وبناء على ذلك، وانطلاقاً من إيمان قيادتنا الرشيدة بأهمية دور هذا القطاع في دعم محاور التنمية وفي تطوير رأس المال البشري كمحرك رئيسي في الاقتصاد المعرفي، استثمرت دولة الإمارات بكثافة خلال السنوات الماضية ضمن التقنيات المتطورة في قطاع الاتصالات، وأسهمت هذه الاستثمارات في نجاح تحول الدولة إلى مركز عالمي للحلول المتقدمة، ما منح مزيداً من الثقة بتحقيق أهداف التنمية المستقبلية لدولة الإمارات وتأكيد أهداف مئويتها لعام 2071.
* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.