كان لدى العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم شعور قوي بالارتياح للتخلص أخيراً من عام 2020. فقد سادت قوى الوباء المتسارع والاقتصاد المتباطئ في عام شهد أيضاً الكثير من المشاكل على جبهات أخرى، من حرائق الغابات إلى الهجوم على مبادئ الديمقراطية أو حقوق الإنسان في عدد من الدول.
ومع ذلك، مع بداية العام الجديد، من المفيد ملاحظة بعض الاتجاهات الإيجابية التي تأصلت أو توسعت أيضاً في 2020، وإذا استمرت، فقد تضيء المستقبل بطرق بعيدة المدى. فيما يلي ثمانية منها:
الفضاء كعمل تجاري:
مع التركيز على الوباء وتداعياته، كان من السهل نسيان أن عام 2020 يمثل عودة أميركا إلى إطلاق البشر إلى الفضاء. منذ نهاية خدمة مكوك الفضاء، كانت الولايات المتحدة تعتمد على الحكومة الروسية لنقل روادها من وإلى محطة الفضاء الدولية. ولكن في مايو2020، انطلق رائدا الفضاء «روبرت بهنكن» و«دوجلاس هيرلي» من الأراضي الأميركية في مركبة فضائية صنعتها شركة «سبيس إكس» - وهي المرة الأولى التي تنقل فيها مركبة فضائية خاصة البشر إلى المدار.
يقول «جوناثان ماكدويل»، عالم الفلك في مركز «هارفارد سميثسونيان» للفيزياء الفلكية في كامبريدج، ماساتشوستس: «إنه بالتأكيد عام التغيير الكبير». سبيس إكس ليس اللاعب الوحيد في القطاع الخاص، والمدار الأرضي المنخفض «لم يعد هو الحد الأقصى».
وفقاً لبيانات الأقمار الصناعية، تم إطلاق نحو 1200 مهمة إلى المدار العام الماضي، بحسب ماكدويل، أي أكثر من ضعف الرقم القياسي السابق. يرجع الكثير منها، وليس كلها، إلى برنامج «ستار لينك» الخاص بشركة «سبيس إكس» لوضع آلاف الأقمار الصناعية في المدار لتحقيق وصول عالمي قريب إلى الإنترنت.
وفكرت دول أخرى في التدويل المتزايد للفضاء. في ديسمبر الماضي وحده، جلبت مركبة الفضاء اليابانية «هايابوسا 2» عينات كوكب صغير إلى الوطن، وأطلقت الهند قمراً صناعياً للاتصالات، وعادت المركبة المدارية الصينية «تشانج إيه-5» إلى الأرض بأول عينات صخرية قمرية منذ 44 عاماً.
حركة العمل من المنزل:
كان هذا الاتجاه جارياً قبل انتشار الوباء، لكن عمليات الإغلاق في الولايات المتحدة ودول أخرى أجبرت العديد من الشركات على السماح لموظفيها بالعمل من المنزل. فجأة، تم استبدال التنقل الصباحي بعقد الاجتماعات والمؤتمرات عبر تطبيق «زووم».
إذا خف الوباء هذا العام وفُتحت المكاتب مرة أخرى، يعتقد العديد من الخبراء أن العمال سيقضون أياماً في العمل من المنزل أكثر مما كانوا عليه قبل الوباء. «أفضل تقدير لدينا هو أننا سنرى 25-30% من القوى العاملة تعمل في المنزل عدة أيام في الأسبوع بحلول نهاية عام 2021»، وفقاً لتوقعات شركة الأبحاث «جلوبال وورك فورس أناليتيك»، بعد أن تعلمت الإدارة عن بُعد، ستشجع الشركات هذا النظام لأنه يمكن أن يوفر 11.000 دولار سنوياً في المتوسط لكل موظف يعمل في المنزل نصف الوقت، حسب تقديرات شركة جلوبال.
إزالة الكربون عن الاقتصاد:
أدى الإغلاق والعمل من المنزل إلى خفض انبعاثات الوقود الأحفوري، مما يعني أن العالم استخدم طاقة أقل بنسبة 5% في 2020 مقارنة بعام 2019، كما يشير «فاتح بيرول»، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية. هذا لن يمنع تغير المناخ في حد ذاته. على سبيل المثال، خلال الربيع الماضي أدى الانخفاض في حركة المرور بجميع أنحاء العالم إلى انخفاض بنسبة 17% فقط في الانبعاثات اليومية العالمية. وبالمثل، قامت العديد من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، بتضمين مشاريع خفض الانبعاثات في برامج التحفيز والانتعاش الاقتصادي. وستنضم دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، لأن الطاقة الخضراء، وخاصة الطاقة الشمسية، أصبحت أرخص من الوقود الأحفوري، بحسب ما قال بيرول، مشيراً إلى أن «الطاقة الشمسية هي الملِك الجديد لأسواق الكهرباء العالمية».
ضمان التنوع بين الجنسين:
انتخبت الولايات المتحدة أول امرأة نائبة للرئيس، وهي «الديمقراطية» كامالا هاريس، وما لا يقل عن 141 امرأة في الكونجرس، وهو رقم قياسي تحقق في الغالب بسبب المكاسب غير المسبوقة في زيادة عدد النائبات «الجمهوريات»، من 22 إلى 36 على الأقل. وعين الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن النائبة «ديب هالاند» لقيادة وزارة الداخلية. كما انتخبت اليونان أول رئيسة لها. وعين رئيس وزراء نيوزيلندا أول وزيرة خارجية من السكان الأصليين لتلك الدولة. ودفعت عمدة باريس «آن هيدالجو» غرامة قدرها 90 ألف يورو لتعيينها عدداً كبيراً من النساء في مناصب إدارية في مجلس المدينة، مما يخالف قانون المساواة بين الجنسين الفرنسي.
مواجهة العنصرية:
أثار مقتل جورج فلويد، وهو رجل أسود على يد الشرطة، موجة من الاحتجاجات في أماكن بعيدة مثل بريطانيا وسويسرا والبرازيل. في الولايات المتحدة، أثار موته نقاشاً وطنياً حول العنصرية المؤسسية، مما دفع الحكومات والشركات إلى اتخاذ عدد من الخطوات الرمزية: من إزالة تماثيل الجنرالات الكونفدراليين، إلى تقاعد العلامات التجارية الغذائية وأسماء الفرق الرياضية المرتبطة بالقوالب النمطية العرقية.
الذكاء الاصطناعي:
استخدم الباحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي لتسريع المعركة ضد فيروس كورونا. في غضون ثلاثة أشهر من تفشي كوفيد-19، كان البشر يختبرون اللقاحات -وهي سرعة غير مسبوقة لتطوير اللقاح. وفي تطور أكبر محتمل أكبر، تتنبأ شركة جوجل «ديب مايند»، بكيفية تطوير تسلسلات الأحماض الأمينية للبروتينات، وهي قفزة هائلة في علم الأحياء والبحوث الطبية الحيوية.
اتفاقيات الشرق الأوسط:
توسطت إدارة ترامب في اتفاقات تاريخية في عام 2020، حيث اتجهت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مقابل التعهد بعدم ضم المزيد من الضفة الغربية.
سياسة مكافحة الكساد:
عادة ما تمرر الحكومات برامج تحفيز بعد الانهيار الاقتصادي. ولكن نظراً لأن عمليات الإغلاق المرتبطة بالوباء كانت ذاتية الصنع ويمكن التنبؤ بها، فقد أقرت العديد من الدول برامج تحفيز كإجراء استباقي ضد الركود. في الولايات المتحدة، أقر المشرعون قانون «كيرز» بقيمة تريليوني دولار تقريباً في مارس2020 مع بدء الوباء، وساعد ذلك في جعل الركود أقل حدة بكثير مما توقعه العديد من الاقتصاديين.
لوران بيلسي*
صحفي أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»