هي حقاً قمة العلا، فقد علت وتسامت فوق الخلافات لتعود العلاقات الأخوية إلى وضعها الطبيعي، لاسيما أن مجلس التعاون الخليجي بات المؤسسة العربية الوحيدة التي تمكنت من التماسك، في حين تعرضت بقية المؤسسات العربية التي يفترض أن تعبر عن وحدة الأمة للعجز عن تحقيق شيء ذي شأن من أهدافها، مما جعل مجلس التعاون منارةً ترنو إليها دول عربية خارج منطقة الخليج. وها هي ذي قمة العلا قد أعلنت في بيانها مواقف ذات بعد عربي شامل، وتتحمل بوضوح مسؤولياتها على صعيد الأمة.
ومن أهم هذه القضايا التأكيد على ثوابت مبدئية في رؤية الحل السياسي للقضية السورية، فقد أكدت قمة العلا على مبادئ (جنيف 1)، وقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي ينص على تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شؤون البلاد، وصياغة دستور جديد لسوريا، والتحضير للانتخابات لرسم مستقبل جديد لسوريا يحقق تطلعات الشعب السوري.
وما يهمنا في هذا التأكيد هو اعتماد التراتبية في تنفيذ القرار الدولي، والإشارة الواضحة لكون تشكيل هيئة حكم انتقالي (يتولى شؤون إدارة البلاد) هو مفتاح الحل كما نص القرار الدولي. ولئن كانت قمة العلا تأمل أن تسفر اجتماعات اللجنة الدستورية في سوريا عن توافق سريع، وأن يكون ذلك معيناً للجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، فإن السوريين يأملون أن تكون هذه اللجنة قادرة على إنجاز شيء يلبي تطلعاتهم، لكن هذا لا يتحقق إلا إذا كان وفد دمشق يمتلك تفويضاً كاملاً تلتزم به الحكومة، وهذا ما لم يحدث للأسف، وقد ضاع عامان وما تزال هذه اللجنة تتعثر في خطاها، حتى وصلت إلى حالة من الجمود. وإذا كان المجتمع الدولي عازماً على إنجاز الحل، فلا بد من العودة إلى تراتبية القرار كما أكدت قمة العلا، وأن يكون تشكيل هيئة حكم انتقالي تؤول إليها كل الصلاحيات بداية الطريق الصحيح للوصول إلى الهدف، وكما ينص القرار الأممي، تكون هذه الهيئة مسؤولة عن وضع الدستور الجديد وعن الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وكان مهماً أن تتنبه القمة إلى خطر التغييرات الديموغرافية وإلى المطالبة برفضها، وإلى الاهتمام بعودة اللاجئين السوريين وفق المعايير الدولية، وتقديم الدعم لهم في دول اللجوء، ومن أهم هذه المعايير الدولية أن تتوقف الأعمال العدائية، وأن تتم العودة عبر اتفاقات بين سوريا ودول اللجوء، والمفوضية السامية، بحيث يتم ضمان العودة الآمنة، وأن يصدر عفو عام، وأن يكون العائدون قادرين على المطالبة بحقوقهم في السكن والأرض والممتلكات واستردادها والحصول على التعويضات وفقاً للقانون الدولي.
وتمثل المادة 95 في بيان قمة العلا، التزام الدول الموقِّعة بمواقفها الثابتة تجاه «الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية، وكل ما يمس الأمن القومي العربي ويهدد الأمن والسلم الدوليين».
وتجدر الإشارة إلى ربط احترام الاستقلال والسيادة السورية بالأمن القومي العربي، فما يمس أمن سوريا ووحدتها ينعكس على كل المنطقة العربية وعلى أمنها القومي. وكان مهماً جداً أن يخص البيان إيران وأن يدين الوجود الإيراني في الأراضي السورية، وتدخلات إيران في الشأن السوري، وأن يطالب بخروج كل القوات الإيرانية وميليشيات «حزب الله» وكافة المليشيات الطائفية التي جنّدتها إيران للعمل في سوريا.
ويكشف التوسع الإيراني المتصاعد في العديد من الدول العربية عن مشروع عدواني ضخم على أمتنا العربية، وإن كانت شعاراته المعلنة هي «المقاومة والممانعة»، فإن حقيقته هي السيطرة على أمة العرب، والثأر التاريخي تحت عباءة دينية.
نبارك لأشقائنا في الخليج العربي حرصهم على هذه السوية العالية من الشعور بالمسؤولية الوطنية والقومية، مما يجعل القضية السورية مستندةً إلى جدار عربي متين، مع تقديرنا لكل شعوب ودول العالم التي تناصر قضية الشعب السوري.