من المؤسف أن تصل المعارضة السياسية السورية إلى حالة مفجعة من الضعف والتشتت والانقسام، وخطر الوقوع في تشابكات العلاقات الدولية، وقد دخلت مسارات العملية السياسية في حالة الجمود التي أوصلتها إلى التعلق بوهم قدرة اللجنة الدستورية على إيجاد حل.
وقد تفاقمت الظروف القاسية التي يعاني منها شعبنا في المنافي وفي بلاد الهجرة، وبات ملايين السوريين النازحين في حالة مريعة من التشرد والضياع والفقر المدقع، وفي غياب كامل لأدنى شروط العيش، كذلك باتت معاناة شعبنا في الداخل السوري المحاصر أكثر صعوبة وقسوةً، بعد الانهيارات المتلاحقة في الاقتصاد السوري، وغياب الأمن وضعف بنية الدولة وظهور طبقات من أثرياء الحرب الذين سيطروا على ما تبقى من ثروات سورية.
ولم تستطع تنظيمات المعارضة الراهنة أن تجد مخرجاً من هذا المستنقع الآسن، بل غرق فيه كثير من قواها، وصارت بعض تشكيلاتها عبئاً على الشعب الذي أعلن رفضه لها، وبات يبحث عن بديل، وعن جسد سليم قوي تتجسد فيه روحه الأصيلة، ويقدر أن يجدد حيويتها، ويستعيد حضورها ويحمل المسؤولية باقتدار.
وهذا الجسد الذي نسعى إلى إيجاده، هو جسد الشباب الذي ينبغي أن يحمل الراية، وأن يباشر بنفسه قيادة مسار المستقبل السوري، ترفده كل القوى الوطنية المخلصة، وتمنحه ثقتها.
إن أي بحث عن الاستقرار في منطقتنا لن يكتمل من دون تضميد جراح سوريا، وما لم تصل سفينتها المتخبطة في عواصف الصراعات الدولية إلى شاطئ أمن واستقرار. وإعادة إنتاج الماضي أو الإصرار على فرضه على الشعب وجعله ذاته مستقبل سوريا، أمر ينذر بانفجار جديد لما يخبئ قاعُه من قهر وظلم وفقر، وأية محاولة لرتق الجرح ستبوء بالفشل.
إن إصرار الشعب السوري على تنفيذ القرار الدولي 2254 وفق تراتبية محددة تبدأ في وضع دستور جديد، وتدعو إلى انتخابات نزيهة بإشراف الأمم المتحدة.. هو مفتاح الحل الممكن الذي يضمن سلامة المستقبل، لاسيما أنه لا يقصي أحداً، ولا يتجاهل حق أحد من مكونات الشعب السوري.
إننا ندعو شباب سوريا، وكل القوى الوطنية لبناء جسد وطني معافى من أمراض المعارضة التي أوشكت أن تصير أمراضاً مزمنة بعد نحو عشر سنوات من التخبط، وأن يتسامى الجميع فوق المصالح الشخصية والإثنية والعرقية والمذهبية.. لإنقاذ وطن جريح يترنح اليوم، وينتظر أبناءه الشرفاء كي يتداركوه قبل فوات الأوان.
لا نريد إقصاء أحد، ولا نقبل من أحد أن يلغي الآخر، وليكن مبدأ المواطنة أساساً ومرجعية لكل السوريين فوق كل انتماء فرعي أو ولاء مصلحي.
ولا نقبل أن يرتهن موقف المعارضة عند أي قوى إقليمية أو دولية، ونحن نثمن مساعدتها لشعبنا ووقوفها مع قضيتنا، ونحترم سيادتها في توجهاتها وأهدافها، لكنها تعذرنا حين نخلص لقضيتنا ونبعدها عن أية صراعات أو اشتباكات قد تؤثر على سلامة مسار الحل السياسي المنشود، متفائلين بتجدد الدعم الدولي لإنهاء السيطرة العسكرية الدولية على سوريا وجعلها مناطق تقاسم نفوذ أجنبي، ومصممين على استقلال سوريا، وعلى استعادة سيادتها على كامل أرضها، ومحافظين على وحدة شعبها، ومتفائلين بقدرته على النهوض وبناء دولة مدنية ديمقراطية حرة مستقلة.
*وزير الثقافة السوري الأسبق