من المؤكد أن نائب الرئيس جو بايدن سيكون رئيس الولايات المتحدة المقبل. فالرئيس ترامب ما زال يطعن في نتائج الانتخابات، ولكن جهوده ما انفكت تبوء بالفشل. وعليه، فبوسعنا الآن أن نتساءل حول كيف من المحتمل أن تكون سياسات الرئيس بايدن الخارجية.
الواقع أن القضايا الخارجية تم تجاهلها إلى حد كبير خلال الحملة الانتخابية، وأولى أولويات بايدن ستكون داخلية، ولاسيما محاربة وباء كورونا والتعاطي مع الأزمة الاقتصادية المترتبة عنه. هذان الموضوعان سيستأثران بجل انتباهه خلال الأسابيع والأشهر الأولى من رئاسته، في وقت سيستخدم فيه سلطته للسيطرة على أكبر أزمة طبية نواجهها والسعي في الآن نفسه لحماية الأشخاص والشركات الذين تضرروا اقتصاديا. وبالتالي، فإنه سيكون لديه وقت أقل للسياسة الخارجية.
مع ذلك، نستطيع القيام ببعض التخمينات المستندة إلى معلومات بشأن ما قد يفعله بايدن كرئيس. لقد سبق له أن صرح بأنه يعتزم عكس بعض السياسات مثل حظر هجرة المسلمين التي فرضها ترامب عبر أمر تنفيذي، ولكن بعض السياسات الأخرى ستتطلب دعماً من الكونجرس، وبالتالي، ستحتاج لمزيد من الوقت والجهد.
وهناك بعض المبادئ العامة المتعلقة بالسياسة الخارجية التي من المرجح أن يتبعها بايدن. فهو سيفضل استخدام الدبلوماسية على استخدام القوة، ولن يصدر تهديدات من النوع الذي استخدمه ترامب مع إيران وكوريا الشمالية وآخرين. كما سيحاول إعادة بناء تحالفات أميركا وشراكاتها، مثل «الناتو»، التي انتقدها ترامب، وربما سيعود إلى منظمات دولية ويدعمها من جديد مثل منظمة الصحة العالمية. وقد سبق له أن عبّر عن دعمه للمبادئ الديمقراطية، وقال إنه يعتزم عقد مؤتمر للبلدان الديمقراطية التي سيعمل معها في مجال الترويج للديمقراطية، وهو مجال حساس، غير أن بايدن والجمهور الأميركي يعتبرون التجربة العراقية في عهد الرئيس جورج بوش فاشلة، وبالتالي، فإنه لن يستخدم القوة للترويج للديمقراطية في الخارج. وبشكل عام، سيحترم بايدن حقوق البلدان الأخرى في اتباع أنظمة الحكم الخاصة بها كما تشاء. وسيتفق مع ترامب على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة الانخراط في «حروب دائمة». وبالتالي، فإنه قد يقلّص شيئاً من أعداد الجنود الأميركيين في الخارج، ولكنه يدرك أن وجوداً عسكرياً أميركياً معقولاً ومحدوداً في الخارج يمكن أن يخدم المصالح الوطنية الأميركية. وإذا كان الرئيس ترامب كثيراً ما كان يتخذ قرارات متسرعة ومفاجئة بشأن سحب الجنود – في سوريا مثلا – من دون التشاور مع بلدان أخرى ومتجاهلاً حتى مستشاريه الأميركيين، فإن بايدن سيكون حريصاً على التشاور مع الخبراء والبلدان المشاركة قبل اتخاذ مثل هذه القرارات.
كيف سيتعامل بايدن حينما يصبح رئيساً مع مشاكل الشرق الأوسط الأكثر إلحاحاً التي سيواجهها؟
في ما يتعلق بالعلاقات الأميركية-الإيرانية، يعتبر بايدن سياسة «الحد الأقصى من الضغط» التي تبناها ترامب مع طهران غير جيدة. وبدلاً منها، سيحاول استخدام الدبلوماسية مع إيران عوضاً عن التنمر والمواجهة. كما سيحاول إعادة إحياء شكل من أشكال ما يسمى «خطة العمل الشاملة المشتركة» للاتفاق النووي الذي وُقع عندما كان نائباً للرئيس في إدارة أوباما، ذلك أن بايدن يحاجج بأن الاتفاق قيّد تطوير إيران لأسلحة نووية، وبأن انسحاب ترامب منه سمح لإيران باستئناف النشاط النووي، وبالتالي، فإن الأمر يستحق تجريب الدبلوماسية من جديد.
ولكن بايدن يأمل أيضاً أن تؤدي مفاوضات جديدة إلى أكثر من فرض قيود على نشاط إيران النووي، وأن تشمل أيضاً معالجة سلوك إيران الذي يشتكي منه منتقدون في المنطقة وخارجها. والواقع أن بايدن يدرك أن تحقيق هذه الأهداف لن يكون سهلاً. فالقادة الإيرانيون يقولون إنهم مستعدون للتفاوض الآن في وقت سيصبح فيه بايدن رئيساً، ولكنهم قد يطالبون بتعويض عن معاناتهم بسبب عقوبات ترامب الاقتصادية، وهو هدف من المستبعد أن يحققوه. وبايدن لن يتصرف بشكل أحادي الجانب مثلما فعل الرئيس ترامب، وإنما سيعمل مع الأوروبيين والروس ومع البلدان الصديقة في المنطقة، في محاولة لجعل المنطقة أكثر أمناً. ولأن بايدن دبلوماسي مخضرم فإنه يدرك أنه إذا طلب مزيداً من التنازلات الإيرانية، فإن إيران ستتوقع المزيد من الولايات المتحدة.
أما في ما يخص النزاع العربي- الإسرائيلي، فإن بايدن لن يبقي على تحيز ترامب القوي لإسرائيل ضد الفلسطينيين. وكانت سياسات ترامب دفعت الفلسطينيين للانسحاب من كل العلاقات الأمنية والمالية مع إسرائيل، ولكن انتخاب بايدن ساعد على إقناعهم بإعادة إقامة تلك الروابط. بايدن قد يستأنف دفع الدعم المالي الأميركي للفلسطينيين، عبر وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» وبشكل مباشر، والسماح لهم بإعادة فتح مكتبهم في واشنطن. وعلاقته مع نتنياهو ستكون جيدة، ولكن أكثر برودة من علاقة ترامب، ذلك أنه يعارض تهديدات نتنياهو بضم الضفة الغربية وتشجيع مزيد من المستوطنات. ولكن بايدن لن يحاول إلغاء كل ما حدث خلال الأربع سنوات الماضية، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والموافقة على السيطرة الإسرائيلية على الجولان.
إلى ذلك، يدعم بايدن بقوة قرار الإمارات والبحرين الأخير إقامة علاقات مع إسرائيل، ويعتبره خطوة حكيمة تساهم في استقرار الشرق الأوسط. كما أنه يقدّر أن علاقات الإمارات مع إسرائيل تضمن تعليق التحرك نحو الضم.
الرئيس بايدن ربما سيدعم حل الدولتين كسبيل لتسوية النزاع، ولكنه سيتذكر أن جهود إدارة أوباما الرامية لرعاية تسوية باءت بالفشل، وبالتالي، فإنه سيكون أكثر حذراً بشأن تقديم مخطط أميركي معين.
هذا ومن المتوقع أن يحافظ الرئيس بايدن على علاقات أميركا الثنائية القوية مع كل واحدة من دول الخليج العربي. فالعلاقة مع السعودية تعود إلى 1945، وتقوم على المصالح المشتركة في كثير من المجالات، وسيحافظ بايدن على العلاقات الأميركية- السعودية قوية. وبالمثل، فإن التعاون بين واشنطن وأبوظبي متين، والرئيس بايدن يُتوقع أن يواصله ويعمل على توسيعه وتعزيزه أكثر متى كان ذلك مناسباً. وسيعتمد بكل تأكيد على دعم القيادة الإماراتية أثناء تعاطيه مع التحديات الكثيرة التي سيواجهها في السياسة الخارجية.