مارست كلُّ الفرق الإسلامية التأويلَ، إلا أهل الظاهر وعموم أهل السلف تمسكاً بالنص وخشيةَ أن يضيع وسط أهواء البشر وظنون الآراء. فيقين النص خير من ظن التأويل. ومارست التأويلَ الباطنيةُ الصوفيةُ بوجه عام، سنةً وشيعةً. فهو منهج يتجاوز الفرق الإسلامية، ويمثل إحدى آليات الإبداع المهمة، لقدرته على إنطاق المسكوت عنه في النص وتَمثُّل ما فيه من تجربة شعورية تتفق مع نفسية المرسل والمتلقي. وقد يصل التأويل إلى الوقوع في الباطنية والدخول في أعماق النفس وأعماق النص، بعيداً عن الظاهر وانحيازاً للعمق ضد السطح، وللإمكان ضد الواقع، وللإبداع ضد التقليد، وللحركة ضد الثبات. 
ومن كثرة التأويل في الفكر الشيعي، فقد تحول إلى فكر مجرد، بل مجموعة من التأويلات المذهبة الشيعية ضد التأويلات المذهبية السنية. والمدهش في الحالتين هو اتفاق الآيات القرآنية مع الوقائع وكأنها نزلت عليها، مما يجعل التأويل أداةً في يد كل صاحب قضية، موضوعياً كان أم ذاتياً. والقرآن بطبيعته حمّال أوجه وهو قادر على أن يكون منقرئاً لكل قارئ، لذا أُعجِب به فلاسفة التأويل شرقاً (مثل الشيعة) وغرباً (مثل الهرمنيطيقا المعاصرة). وربما يوحي اتفاق الآية مع التفسير الشيعي والسني في آن واحد، بأن القرآن قادر على احتواء كل المضامين الممكنة، وهذا أحد أوجه الإعجاز فيه.
إن القرآن يساعد على التشخيص نظراً لأسلوبه الإنساني الكوني؛ فالله يخاطب السموات والأرض والجبال، كما يخاطب الإنسان، بل ويشخص الأشياء مثل: «جداراً يريد أن ينقض»، ومخاطبة الأرض والسماء: «فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ »، كنوع من أبدع أنواع التصوير الفني والتعبير البلاغي. ويأتي توظيف الآيات بغية تقوية الخطاب الفلسفي في نشأته، لما تتصف به الآية من بلاغة وقدرة على التأثير في النفس. 
التأويل رغبة في ربط القرآن بالوضع النفسي وبالواقع وأزماته، كنوع من التأييد المعنوي للذات. ومَن تخلف عن التأويل، لا يحيط بحقيقة الشيء، وقد يقع في التشابه والشك. لذا كان العلم بالتأويل هو علم بالانتهاء والإحاطة.
ويشمل التأويل تأويل النص وتأويل الواقع. فالمولود يخرج من بطن أمه باكياً، نظراً لدخول الهواء الرئتين، وخروج الصوت عند
الأطباء، وحزناً على العالم كما يؤول الشعراء.. وأحياناً يكون التأويل من الكون إلى الشرع، من العالم إلى الإنسان، من العام إلى الخاص، وأحياناً من الشرع إلى الكون، من الخاص إلى العام.. فيتم تحويل النص إلى خاص، والخاص إلى أخص، والنص إلى شيء دون الاكتفاء بالدلالة اللغوية؛ كاللفظ يحيل إلى المعنى، والمعنى يحيل إلى الشيء. ويكمن جمال التأويل في تحويل الخارج إلى الداخل، والداخل إلى الخارج، كما هو الحال عند الشعراء. وفي القرآن الكريم: «وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، و«سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ».. مما يشير إلى تقابل العالمين الصغير والكبير عند «إخوان الصفا»، وعلم الميزان عند «الكرماني». لذلك يختار الشيعة الآيات التي بها ظاهر وباطن مثل قصص عيسى ومريم وزكريا وموسى والخضر. 
وقد اشتق لفظ القرآن من القِران، أي الربط بين شيئين والجمع بين طرفين، كما هو الحال عند «إخوان الصفا» التي خرجت من نفس البيئة وتحت نفس الظروف. التأويل هنا شيء يقوم على المطابقة بين الكلمة وما تشير إليه في الخارج. ولا يختلف ذلك عن التفسير التاريخي عند أهل السنة، أي مطابقة الوصف القرآني للحدث التاريخي.. إنما الخلاف في التاريخ المختار؛ تاريخ السلطة عند السُّنة وتاريخ المعارضة عند الشيعة.


*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة