يُعرَّف الكاريكاتير بأنه نقدٌ ساخرٌ بالرسم يقوم على المبالغة، يدعو من خلاله الرسام إلى إحداث التغيير في الموضوع الذي اختار الكلام عنه بالنقش والقلم. وما دام الكاريكاتير نقداً، والنقد يعني فحص الشيء وكشف عيوبه، فهو إذن يستند إلى حقائق ومعلومات، وإلا كان مجرد اتهامات ملفقة.
ولا يملك الناقد تزوير الحقيقة أو ابتداع المعلومة، ثم نقدها سرداً أو رسماً، بدعوى أنه يمارس حقه في النقد، لكن له أن يُفسر الحقيقة الثابتة أو المعلومة المؤكدة بطريقته. الرسام، إذن، لا يرسم الكاريكاتير من «مخه»، وهذه هي السلسلة الأولى من الحلقة المفرغة التي ندور فيها.
والسلسلة الثانية هي في سيئ الذكر «كورت فيستر غارد»، الرسام الدانماركي الذي نشر سنة 2005 نحو 12 رسماً كاريكاتورياً مسيئاً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تبعه آخرون في طريق العمى الأخلاقي والسلوك غير المسؤول، استقوا أفكار رسوماتهم مِن جانب مِن التراث المنسوب للإسلام، خصوصاً حين تتبناه الجماعات الإرهابية، وتبرّر به عمليات القتل والتفجير، وكذلك الأقليات الإسلامية التي تعزل نفسها خلف أسوار دينية تتحكم بها تنظيمات الإسلام السياسي، كأنما تلك التنظيمات في نظر أولئك الرسامين انعكاس لما يعتقدونه عن الإسلام.
نأتي إلى السلسلة الثالثة من الحلقة المفرغة، وتتمثل فيما يحدث في الدول العربية والإسلامية من حظر إعادة قراءة التراث، ومنع النقاش حوله، لتنقيته مما عَلَق به من شوائب، ولتصحيح الاعتقادات المشوّهة عن الإسلام. سواء جاء هذا الحظر أو المنع بصيغة القانون الذي يعاقب مَن يقترب من حمى التراث، أو اتخذ شكل الهيجان الشعبي في وجه من يتجرأ على وضع يده على دمامل التاريخ. وسواء أكان هذا التناول بشكل رصين وبأسلوب علمي، أم بشكل رخيص وبأسلوب عدائي.
أما السلسلة الرابعة، ففي قدسية حرية الرأي والتعبير في الدول الغربية، والتي لا تعترف بخط أحمر أو أصفر، والخط الذي ينبغي التوقف عنده هو ذوق الشخص نفسه ومدى إحساسه بالمسؤولية عن قوله، ومن ثمَ لا تأخذ القوانين الغربية، ومن ورائها الدساتير الغربية، ومن خلف كل ذلك القيم الغربية، على يد البليد الأخرق ما دام يمارس حريته المكفولة له.
أما السلسلة الخامسة والأخيرة، ففي بعض ردود الأفعال على نشر الرسومات المسيئة، والتي تختار طريق التصفية الجسدية، ناهيكم عن استغلال هذه المناسبة من قبل الإسلامويين، أنظمةً وجماعات، لتمرير أجنداتها، ما ينشأ عنه لدى الطرف الآخر التمسك أكثر بحق حرية الرأي، والمزيد من الرسومات المسيئة، رفضاً لمبدأ التخويف بالعنف وممارسة الضغوط.
سنبقى، إذن، كشرق وغرب، ندور في الحلقة المفرغة: قوانين ودساتير تدوس كل ما يعترض طريق حرية الرأي والتعبير، ورسامين بلا ذوق أو إحساس بالمسؤولية، يستغلون حرية الرأي والتعبير من خلال رسومات كاريكاتير مسيئة للإسلام، تستند إلى رؤية لإرهاب أو انعزال معكوس على مرآة تمثل التراث، وهو التراث نفسه المحظور المس به، والممنوع الاقتراب منه، ثم ردود أفعال همجية ضد الرسومات، يتبعها إصرار أشد على نشر المزيد من الرسومات.