منذ توليه دفة الرئاسة في روسيا، اتخذ فلاديمير بوتين قرارات جعلته أحد أبرز قادة العالم. فمع استقالة الرئيس بوريس يلتسين في نهاية عام 1999، أصبح بوتين رئيساً بالوكالة، ثم رئيساً منتخباً بنسبة 53% من الأصوات في مارس 2000 لولاية رئاسية أولى.
وعلى مدى عشرين عاماً، سعى بوتين إلى إعادة روسيا إلى خريطة العالم، معتمداً سياسة «صفر أعداء»، قبل أن يتبناها الرئيس التركي (أردوغان) كشعار، عقب وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى سدة الحكم، لكن الشعار سرعان ما تحول على يديه إلى «صفر أصدقاء».
وبالمقابل، فقد نجح بوتين في استثمار سياسة تصفير المشكلات والدفع بها على نحو ناجح في أغلب الحالات.
ورغم ذكريات الإرث السوفييتي الذي حملته روسيا على كاهلها، ركّز بوتين على المصالح المشتركة، وبفضل هذا النهج حولها من دولة تعتقد أنها محاطة بالأعداء إلى دولة تجيد فن الحوار والوساطة في النزاعات وكسب الأصدقاء، فأضحت فاعلاً قوياً وذا نفوذ واسع على المستويين الإقليمي والعالمي.
صحيح أن روسيا في عهد بوتين انطلقت في المقام الأول من المصالح السياسية، إلا أنها ركزت أيضاً على المصالح الاقتصادية. فـ«روسيا الاتحادية» اليوم دولة لا ترتبط بأي أيديولوجية، وإنما تعمل على بناء وديمومة علاقات مع كل دول العالم. وبذلك نجحت في استعادة نفوذ كان ذات يوم للاتحاد السوفييتي، لكن بطريقة أكثر سلاسة وانسيابية. فمثلاً، وفيما يخص أولويات موسكو في الشرق الأوسط، حدد بوتين في وثيقة «مفهوم السياسة الخارجية» لروسيا هذه الأولويات بأنها «استعادة المراكز وتعزيزها، لاسيما تلك الاقتصادية». وسلطت وثيقة «مفهوم السياسة الخارجية» لروسيا، الخاصة بعام 2016، الضوء على الشرق الأوسط وموقعه في السياسة الخارجية الروسية. وبذلك، أصبحت روسيا تنتهج «سياسة متوازنة» في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع الإصرار على «حل الدولتين».
وفي الشهر الأخير مثلاً، عرض بوتين التوسط بين قبرص وتركيا في نزاعهما على حقوق الغاز في شرق المتوسط. وجاء على لسان وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) خلال زيارته قبرص للاحتفال بمرور ستة عقود على العلاقات الثنائية، أن «روسيا مستعدة لتعزيز الحوار القائم على المصالح المشتركة، والبحث عن قرارات منصفة وقائمة على القانون الدولي». وقبل أيام أيضاً، أعلنت روسيا استعدادها للوساطة بين أرمينيا وأذربيجان لإنهاء المواجهات الحدودية المتواصلة، حيث عبّر بوتين عن «قلقه العميق من التصعيد الحالي»، وشدد على «الحاجة العاجلة إلى ضمان وقف لإطلاق النار، والاستعداد للوساطة». وسبق لروسيا أن توسطت خلال مواجهات سابقة بين البلدين.
وفي ليبيا، حيث أدى التدخل العسكري لـ«الناتو» إلى الإطاحة بالعقيد معمر القذافي وتحجيم النفوذ الروسي هناك، بدايةً من عام 2011، استثمرت روسيا فشل المبادرات الدولية لتوحيد الفصائل الليبية المتناحرة وعادت إلى الساحة الليبية لنيل حصتها سياسياً واقتصادياً.
لقد أعاد بوتين إحياء روسيا كقوة عظمى، وخلال عشرين عاماً وضع بصمته في معظم أنحاء العالم، منتهجاً سياسة «صفر أعداء» التي تبناها بعده أردوغان وسرعان ما تخلى عنها، مصطنعاً خصومات لا نهاية لها.
*كاتب وباحث سياسي