مع اقتراب الجولة الثامنة من المحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، أعلن مسؤولون في حكومة المملكة المتحدة بدءاً من كبير المفاوضين التجاريين «ديفيد فروست»، إلى وزير الخارجية «دومينيك راب»، أن بريطانيا مستعدة للانسحاب. وللتأكيد على هذه النقطة، يحدد «بوريس جونسون» موعداً نهائياً للصفقة في 15 أكتوبر.
ويهدد رئيس الوزراء أيضاً بشيء أكثر خطورة. وفقاً لتقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» يوم الأحد الماضي، ستقدم الحكومة تشريعاً يخالف المعاهدة الدولية التي أبرمت من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إذا تابع «جونسون» القانون الجديد، الذي من شأنه أن يضعف شروط اتفاقية «بريكست» بشأن إيرلندا الشمالية. فمن المحتمل أن يقوض فرص التوصل إلى صفقة تجارية ويقوض مكانة ومصداقية بريطانيا على الصعيد الدولي. في الوقت الذي تتعرض فيه سياساته بشأن مكافحة كوفيد-19 والمليئة بالأخطاء للانتقاد، فإن هذا يبدو مقامرة غريبة.
وقال «سيمون كوفيني»، وزير الخارجية والدفاع الإيرلندي على تويتر «ستكون هذه طريقة غير حكيمة للمضي قدماً». إن فكرة تمزيق بروتوكول إيرلندا الشمالية بشكل فعال مثيرة للقلق».
إيرلندا، بالنسبة لأولئك الذين يمكنهم تذكر المحادثات غير المنتظمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لديها مصلحة كبيرة في هذا. فالغرض من البروتوكول في اتفاقية الخروج هو إبقاء الحدود الأيرلندية خالية من أي بنية تحتية جمركية والسماح للاتحاد الأوروبي بفرض نظام جمركي خاص به، مع السماح للمملكة المتحدة بالتظاهر بأنها لم تتنازل عن أي سيادة من خلال السماح بحدوث ذلك. وكان جونسون يكره دائماً هذا التنازل.
إن المفاوضات التجارية عالقة في المقام الأول بسبب مسألة قواعد تقديم المساعدات للدول. فالاتحاد الأوروبي يجادل بأن بريطانيا يجب أن تلتزم عن كثب بلوائح الكتلة التجارية لتجنب المنافسة غير العادلة، بينما تجادل حكومة «جونسون» بأنها بصفتها دولة غير عضو، لم يعد عليها أن تطيع الاتحاد الأوروبي.
بموجب شروط البروتوكول، لا يمكن للمملكة المتحدة أن تحيد عن قواعد الاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدات للدول بأي طريقة تؤثر على التجارة بين إيرلندا الشمالية والاتحاد الأوروبي. قد يبدو هذا بسيطاً، لكن كما أشار المحامي «جورج بيرتس»، قد يكون معيار تحديد مثل هذه الآثار التجارية منخفضاً. وستكون الهيئات التنظيمية المستقلة والمحاكم والمفوضية الأوروبية وحتى محكمة العدل الأوروبية في نهاية المطاف جهات للتحكيم في حال حدوث تجاوزات. وجونسون نفسه لن يكون له رأي يذكر.
بغض النظر عن إحباطات رئيس الوزراء، فإن إلغاء معاهدة دولية وقعها مؤخراً فقط من شأنه أن يلحق ضرراً مستديماً بعلاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي. بمجرد أن تفقد الثقة بهذه الطريقة، ليس من الصعب تخيل الآثار المترتبة على التعاون في الأمن ومكافحة الإرهاب وشروط تنظيم الهجرة وغيرها من القضايا المهمة. سيكون لهذا آثار غير مباشرة على محادثات التجارة المستقبلية مع البلدان الأخرى. كيف سيوقع أي شخص على اتفاق مع حكومة جونسون بعد ذلك؟
ليس من الواضح كيف ستفعل حكومته ذلك أيضاً. تعني أغلبية جونسون البالغة 80 مقعداً أنه يستطيع عموماً تمرير أي تشريع يريده. لكن المعاهدات الدولية لها الأسبقية على القانون المحلي، لذلك من المفترض أن تلغي المحاكم أي أحكام تقوض اتفاقية الانسحاب.
حتى لو كان «جونسون» يتحايل على التهديد التشريعي، فإن انهيار محادثات التجارة هو احتمال حقيقي، مع مجموعة من العواقب الخاصة به. وأعتقد أنه يجب أن يؤخذ على محمل الثقة عندما يقول إنه يرغب في التوصل إلى اتفاق، فالوضع لا يعد تكراراً لصفقة العام الماضي الصعبة قبل اتفاق الانسحاب. لا يحاول جونسون الفوز بالانتخابات هذه المرة، لذلك لا توجد ضرورة سياسية للتلاعب بالاتفاق.
ومن غير المرجح أن تحصل بريطانيا على صفقة تجارية أفضل بكثير من الناحية الاقتصادية من عدم وجودها. ولإبرام أي صفقة، سيتعين على «جونسون» الموافقة على تنازلات من شأنها أن تثير استياء المتحمسين لبريكست في حزبه.
ربما يكون قد رأى أيضاً أنه في خضم الخراب الاقتصادي الناجم عن الوباء، لن يتم ملاحظة بعض الاحتكاك التجاري المتزايد بنفس القدر ويمكن استخدام ميزانية حكومية متضخمة بالفعل لتخفيف الضربة. أو ربما يراهن على أنه، بعد فترة تهدئة، ستُستأنف المفاوضات: فالشريكان التجاريان بحاجة إلى بعضهما البعض.
في الواقع، قد يبدو العراك مع الاتحاد الأوروبي ذو مغزى في الوقت الحالي. فقد اكتسب زعيم حزب العمال «كير ستارمر» شعبية كبيرة مع اتهاماته للحكومة بعدم الكفاءة في التعامل مع كوفيد-19. وإعادة تركيز الانتباه على «بريكست» يعطي «المحافظين» انتعاشاً ويكون تذكيراً لحزب «العمال» بانقسامات ذلك الحزب بشأن موضوع أوروبا، والتي كادت أن تمزقه العام الماضي.
ومع ذلك، فإن أياً من الحجج الداعية إلى الانسحاب ليست مقنعة لأسباب أخرى غير المنفعة السياسية قصيرة الأجل. لقد تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بالفعل، وستفقد يوم 31 ديسمبر إمكانية وصولها إلى السوق الأوروبية الموحدة. سيشعر الناس ببعض التأثير بعد الأول من يناير. هل سيلقون باللوم على بريكست؟
بالطبع، سيؤثر «الخروج من دون صفقة» على الأعمال التجارية والمستهلكين في المملكة المتحدة. سواء تضاءل التأثير الكلي أم لا بالمقارنة مع التأثير المدمر للوباء. كيف سيكون رد «جونسون» إذا بدأت الشركات الصغيرة في المملكة المتحدة في الإغلاق بسبب الخلافات التجارية الجديدة؟
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»