بعد أن يستعرض الكاتب والمفكر السعودي توفيق السيف عناوين عدد من الكتب التي يؤكد مؤلفوها أن الإسلام دين علم ومعرفة، وهي المقولة التي نرددها على أي حال طوال الوقت، يطرح الكاتب سؤالاً صادماً هو: إذا كان الدين يعطي للعلم هذا المكان الرفيع، فهل يأخذ الدين نفسه بنتائج البحث العلمي فيطبقها على نفسه؟ 
لا يطرح توفيق السيف في مقالته المنشورة في صحيفة «الشرق الأوسط» هذا السؤال على الإسلام بالبداهة، إذ الإسلام رفع العلم والعلماء إلى أعلى منزلة من خلال نصوصه المقدسة، ولم يعد ثمة مجال لإجابة أكثر تفصيلاً إلا من خلال الناطقين باسم الإسلام والمتحدثين بلسانه، من علماء وفقهاء ودعاة، وكذلك نحن باعتبارنا ندين بهذا الدين ونؤمن أن الإسلام دين العلم والمعرفة.

فلو كان الدين الذي نمثله نحن ينزل المعرفة تلك المنزلة الرفيعة منه، «لتحول العلم الحديث، ونتاج العقل الإنساني عموماً، إلى عنصر أساسي في تصنيع الفكرة الدينية، أعني الفتوى والسلوكيات والتوجهات والمتبنَّيات الحياتية ككل» كما يقول الكاتب، ضارباً المثال في عالم الاقتصاد الذي هو أعلم مِن الفقيه في مجاله، والذي يتوجب على الفقيه الرجوع إليه بالدليل نفسه الذي يرجع فيه الناس إلى الفقيه، وهو الدليل العقلي بلزوم رجوع الجاهل إلى العالم إذا احتاج إلى العلم. 
فهل يعود الفقيه فعلاً إلى عالِم الاقتصاد وعالِم السياسة وعالِم القانون وعالم الاجتماع وغيرهم من علماء في مجالات الحياة المختلفة؟ يجيب توفيق السيف بقوله إن قضايا عديدة تعلقت بها أحكام وإجماعات، قد تغيرت في الواقع، ومع ذلك لا زالت على حالها في كتب التراث. 
وقد وضع بعض الفقهاء أيديهم على قلوبهم مع توجه القوانين العربية نحو تجريم التسوّل، فبينما نحن مأمورون بألا ننهر السائل، إذ بالقوانين تدعونا إلى الإبلاغ عنه باعتباره متسوّلاً. وقد حاول بعضهم التوفيق بين الأمرين بالقول إن المتسوّل يدعي الفقر، وادعاء الفقر منهي عنه شرعاً، لكن هذا التوفيق غير موفق، إذ قد يكون بعض المتسوّلين فقراء فعلاً.
وقد وجدت في أحد الكتب رسالة قديمة من أحد مشايخ الدين موجهة إلى سلطة التشريع في بلده يقول فيها ما معناه أنه مذ سمع بقانون يجرّم التسوّل وهو على خوف ووجل، ذلك أن سجن المتسوّل وتغريمه «بغير ذنب» لا يجوز شرعاً. 
أما المشرع، فقد رأى أن صورة التسوّل قد تبدلت عن صورتها القديمة، ووضع اعتبارات كثيرة في نظره حين جرّم التسوّل، منها اعتبارات تتعلق بالمتسوّل نفسه، ومنها اعتبارات تتعلق بالمجتمع، من حيث فقدان المتسوّل احترامه لذاته، وتعرضه لأخطار صحية نتيجة التسوّل، فضلاً عن تعريض حياته للخطر وهو يتسوّل في الشوارع، خصوصاً إذا كان طفلاً أو امرأة، وقد يتعرض للاختطاف والتحرش أو استغلاله في ارتكاب جرائم السرقة وترويج المخدرات، ما يؤثر في إزعاج الآخرين وإقلاق راحة السائحين وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الاتكالية وغيرها من آثار جديدة لظاهرة قديمة.
*كاتب إماراتي