ستجري الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد نحو ثلاثة أشهر من الآن. وخلال هذه الفترة يمكن أن تحدث أشياء كثيرة، بما في ذلك أحداث مفاجئة، يمكن أن تؤثّر بشكل مهم على نتيجة الانتخابات. غير أنه اعتباراً من أوائل أغسطس الجاري، هناك ثلاثة مواضيع يمكن القول إنها ستحدد مستقبل أميركا خلال السنوات الأربع المقبلة، ألا وهي: الصحة، والعرق، والاقتصاد.
ويظل فيروس كورونا العامل المهيمن عالمياً، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث عدد الإصابات والوفيات مرتفع بشكل لافت للنظر بالنسبة لمجتمع ديمقراطي متقدم. فحتى الآن، أصيب بالفيروس قرابة خمسة ملايين أميركي، ومات بسببه أكثر من 155 ألفاً آخرين. وهذه الأرقام من المتوقع أن ترتفع خلال الشهور المقبلة، بغض النظر عن مدى نجاح جهود التخفيف الأخيرة في الولايات الأكثر إصابة بالفيروس. وتُظهر استطلاعات الرأي العام أن أغلبية المواطنين الأميركيين يعتقدون أن إدارة ترامب أساءت إدارة الأزمة الصحية، وأن أداء الرئيس غير فعال، بل ساهم بطرق عديدة في العدد المرتفع للإصابات، وذلك على اعتبار أن الرئيس كان يحاجج باستمرار بأن الفيروس بات «تحت السيطرة»، وأنه لئن كان لا يزال موجوداً بيننا، فإن أسوأ تأثيراته قد احتُويت!
وكان العرق على الدوام عاملاً في الحياة السياسية الأميركية. فالصراعات المريرة التي واجهها الرئيسان «الديمقراطيان» جون كينيدي وليندون جونسون في تطبيق تشريع الحقوق المدنية خلال ستينيات القرن الماضي، كانت ترتبط بسلطة الكثير من «الديمقراطيين» الجنوبيين الذين كانوا ما زالوا يؤمنون بالفصل العنصري. وخلال انتخابات 1968 الرئاسية، نافس أحد المرشحين، وهو حاكم ولاية ألاباما «جورج والاس»، ببرنامج انتخابي مؤيد للفصل العنصري بشكل صريح. ومن جانبه، تبنى ريتشارد نيكسون، الذي كان مرشح الحزب الجمهوري، «الاستراتيجية الجنوبية» التي كانت عبارة عن جهد يروم استمالة «الديمقراطيين» من الولايات الجنوبية، عبر التشديد على مواضيع «القانون والنظام» وخطب ود «الأغلبية الصامتة» من الأميركيين، التي كانت ترغب في إبطاء إصلاحات المجتمع التي كان يدافع عنها الديمقراطيون التقدميون.
وبالطبع، كان العرق عاملاً في انتخاب باراك أوباما عام 2008، وفي حملة إعادة انتخابه عام 2012. وفي عام 2011، أصبح رجل الأعمال دونالد ترامب من أشد المدافعين عما يعرف بـ«حركة المولد»، وهي حركة تشكّك في أن أوباما مولود في أميركا. والحال أنه لو لم يكن مولوداً فيها، لكان غير مؤهل لأن يصبح رئيساً للولايات المتحدة، نظراً لأن الدستور الأميركي ينص على أن المواطن الأميركي المولود في الولايات المتحدة فقط يمكن أن يكون رئيساً. ولم ينته الحماس الذي أبداه ترامب، بخصوص هذا الموضوع، إلا بعد أن كشف أوباما عن شهادة ميلاده الأصلية التي تبين أنه ولد في ولاية هواي. وإلى ذلك، سعت حملة ترامب الحالية جاهدةً إلى تشويه سجل إدارة أوباما، وفي مناشدة واضحة للناخبين البيض، حاجج ترامب بأن من شأن فوز «الديمقراطيين» في نوفمبر أن «يقضي على ضواحينا الجميلة والمزدهرة»، في إشارة ضمنية إلى أن عدداً متزايداً من الأسر متعددة الأعراق ستُمنح تحفيزات للانتقال إلى ضواحي المناطق الحضرية الكبرى التي يعيش فيها الأميركيون البيض بشكل رئيسي.
وبالطبع، يُعد الاقتصاد الأميركي عاملاً حاسماً في تحديد كيف سيكون أداء ترامب في انتخابات نوفمبر. وكان ترامب قد وعد بتعافٍ اقتصادي لافت في الربع الثالث من هذه السنة، لكن كل المؤشرات تشير إلى أنه إذا لم تعد ثقة المستهلك، فإن ملايين الأميركيين سيظلون من دون عمل، وآلاف الشركات الصغيرة والكبيرة ستواصل الإفلاس. وإذا لم يصوّت الكونجرس لصالح توفير برامج تحفيز اقتصادي سخية وجديدة، من أجل توفير مزايا مالية للعمال، فإن عدداً أكبر من الأميركيين لن يصبح من دون عمل فحسب، بل إن مئات الآلاف سيصبحون مهدَّدين بالطرد من مساكنهم في حال عجزوا عن دفع إيجاراتها.
وإلى جانب الإغاثة المالية، يظل الأمل الكبير بالنسبة لحملة إعادة انتخاب ترامب، هو أن تنجح مليارات الدولارات التي رُصدت لتسريع الجهود الرامية لإيجاد لقاح فعال ضد الفيروس، وأن يكون ترامب قادراً على الإعلان عن إنتاج اللقاح قبل الانتخابات. لكن المتشككين يقولون إن مثل هذا الإعلان سيكون متأثراً بتوقيت الانتخابات، وليس بالمعايير العالية جداً للتجارب العلمية التي ينبغي أن تجرى على آلاف الأشخاص قبل أن يتسنى اعتبار اللقاح آمناً وفعالا. وتحت هذه الظروف، سيكون الكثير من الأميركيين حذرين من وسيلة حماية آمنة ومثبَتة ضد الفيروس، بالنظر إلى العدد الكبير من الوعود الكاذبة التي قُدمت لهم على مدى الأشهر الستة الماضية، بشأن السيطرة على الفيروس.